عناصر الانتقالي تقتحم مخبزا خيريا وتختطف موظفا في العاصمة الموقتة عدن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    تقرير... مخطط الحرب واحتلال الجنوب سبق إعلان الوحدة    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    على طريقة الاحتلال الإسرائيلي.. جرف وهدم عشرات المنازل في صنعاء    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    التعاون الدولي والنمو والطاقة.. انطلاق فعاليات منتدى دافوس في السعودية    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حضارة تُسرق... مخطوطات تُنهب .. وقصر مشيد يشكو الإهمال..
جِبلة التاريخية.. الرُكام يَتحدث!!
نشر في الجمهورية يوم 04 - 09 - 2014

ساقتني الأقدار إليها، ضمن رحلة نظمتها جامعة تعز لضيوفها من الطلبة العرب والأتراك الزائرين لها لغرض تبادل الخبرات الثقافية والأكاديمية والتعلم والتدريب، ضمن اتفاقيات مسبقة بين الجامعات العربية، يمّمنا خطانا جميعاً صوبها منتصف شهر أغسطس الفائت، بعد أن مررنا بمدينة إب الخضراء، والتي تقع جنوب العاصمة صنعاء، وتبعد عنها بحوالي (193 كم) , وبعد ستة كيلو مترات، دخلنا مدينة جبلة الأثرية، حاضرة الصليحيين، ومقصد المتلهفين، والدهشة تحاصرنا من كل الاتجاهات، توغلنا في محراب تاريخها الغابر، واستمعنا بذهول لبقايا ركام نفض غبار الزمن عن كاهله، وتحدث إلينا بحرقة..
كانت الرحلة برفقة وفدين من جامعة عشاق التركية وجامعة طنطا المصرية, والتي كانت من بدايتها رحلة استغراب وألم في آن واحد, سواء من قبلي أنا كمواطن يمني أو من الضيوف، كان استغرابنا هذا منقسماً إلى قسمين، الأول: الاستغراب على إهدار هذه المدينة الأثرية بشكل ملفت وخطير.. والقسم الثاني الألم الشديد بسبب الإهمال الذي طال هذه المعالم الأثرية، وطمس كل ما فيها من تاريخ يوثق عراقة التاريخ اليمني وأصالته, مما جعل الضيوف الذين من خارج الوطن أيضاً يبدون استياءهم وألمهم على مدى الظلم والإهمال الكبيرين للسياحة اليمنية، وعدم الترويج لها والذي يمكن به أن يدر على البلد ثروات طائلة، إن كان هناك اهتمام واكتراث لكل هذه المقومات السياحية الأثرية الضخمة التي تمتلكها هذه المدينة العريقة.
البداية كانت
في المقدمة سار بنا العزيزان سائقا الباصين فاروق الطيب ويحمل معه الذكور ليتبعنا بالباص الثاني السائق جميل ويحمل معه الإناث، وانطلقنا من محافظة تعز صوب جبلة كمحطة أولى خطط لها المشرف العام للرحلة الأخ هشام حسن مدير إدارة التدريب في جامعة تعز، لنمر على مدينة القاعدة التي أصر فيها الدكتور حكمت - رئيس الوفد التركي - أن يتعرف عن قرب على شجرة القات المحظورة في بلده والمصنفة ضمن المخدرات، وما كان منا إلا أن استجبنا لرغبته، وتزاحمنا لالتقاط الصور التذكارية مع تصوير القات وأغصانه، وبعدها انطلقنا صوب مدينة جبلة والتي وصلنا إليها في الظهيرة مع صلاة الجمعة، وما كان منا إلا النزول بشكل سريع والبحث عن جامع يوجد به مصلى خاص بالنساء كي تصلي فيه الطالبات الإناث المسافرات معنا ضمن الوفد, فاستقر بنا المقام بأحد المساجد الموجودة في مدينة جبلة والذي يصنف أنه يتبع السلفيين بتلك المدينة.
شعارات جوفاء
وما أن تطأ قدماك باحة المدينة حتى ترى أمامك الشعارات الحزبية والمذهبية منتشرة في كل مكان وقد رسمت على جدران المدينة والمحلات والمنازل، فتجد شعارات بعض الأحزاب والتي تنتشر بقوة كحزب الإصلاح، وشعارات جماعة الحوثي، والتي أفادنا بعد ذلك أحد المواطنين أنه حتى على مستوى المساجد تجدها منقسمة, فهناك مساجد للحوثيين وكذا للإصلاحيين وأخرى للسلفيين، بعد أن اختلفوا وأصبحت المذهبية تعمي القلوب وتوغل في الصدور مكامن الكراهية والحقد الدفين.
طواف القدوم
بعد أدائنا لصلاة الجمعة بدأنا بالتجمع وانتظار النساء للخروج من مصلاهن.. وما إن اجتمعنا حتى بدأنا بالمرور للأهداف التي جئنا من أجلها، وهي التعرف على عاصمة مملكة الملكة أروى بنت أحمد الصليحي وكيف حكمت اليمن، وتعريف الوفد من خارج الوطن بها وبمملكتها وبتاريخ مدينة جبلة، فسرنا جميعاً بعد أن استقبلنا مدير الحسابات في جامعة تعز الأستاذ لطف الصواف، وهو أحد سكان المدينة، والذي بدأ بدوره باتصالاته بالمعنيين في المدينة ليقوموا بدور المرشد السياحي لنا.. بدأ مرشدنا السياحي حديثه بالتعريف بالمدينة ولماذا بنيت هنا, حيث قال لنا مرشدنا السياحي: اختارت الملكة أروى بناء قصرها في وسط المدينة ليتوسط النهرين وسميت مدينة النهرين، والتي تأتي مياهها من جبل التعكر.. بينما بعض المؤرخين يقولون عن المدينة إنها سميت جبلة من قبل عبدالله بن علي الصليحي، والذي ابتناها في العام 458ه واسماها جبلة نسبة إلى يهودي كان يبيع الفخار في نفس الموقع الذي بنيت عليه المدينة، التي انتقلت إليها الملكة أروى في نفس عام إنشائها واتخذتها عاصمة للدولة الصليحية، والتي يقول أيضاً بعض المؤرخين إنها اتخذتها عاصمة؛ لأنها محاطة بالجبال لحمايتها، وآخرون قالوا إنها بسبب ما كان يوجد من صراعات في صنعاء.
الجامع المسروق
توغلنا في المدينة بدأ بزيارة جامع الملكة أروى والذي كانت تصلي فيه الفروض، بينما الجامع الآخر بجانب قصرها فكانت تصلي فيه السنة, كما حدثنا بذلك مرشدنا السياحي, وأن للجامع عدة بوابات تفتح جميعها عند صلاتي الجمعة والعيدين فقط، بينما الأيام الباقية يفتح باب واحد يدخل منه المصلون، وهو ذات الباب الذي ولجنا من خلاله إلى فناء الجامع، والذي بدأ مرشدنا بشرح أركان وأجزاء الجامع, والذي تتكرر فيه المعلومات الأولى كما نشرها صحافيون من قبل, لنبدأ رحلة التجوال داخل المسجد وبفنائه الموجود به بركة صغيرة إلى جانب خزان صغير لمياه الشرب الطبيعية، والتي أفاد لنا أحد المرشدين أنه كانت توجد بركة كبيرة يستفيد منها الكثيرون ممن يأتون للمسجد، فتم دفنها وإغلاقها، وانحصارها ببركة صغيرة وخزان مياه صغير من الطين. .ومروراً في أرجاء المسجد كان لابد لنا أن نطّلع على آثار المسجد التي وُجدت ممسوحة، وكأن هناك عملاً مُمنهجاً لطمس آثار وتاريخ اليمنيين، حتى إن من يملك مفتاح المكتبة لم يتواجد، مع أنه تم إبلاغه بتواجد وفد سياحي لكنه عزف عن الحضور عند إبلاغه بوجود مصور وصحافيين مرافقين للوفد حسب ما أفاد لنا أحد المرافقين للوفد من أبناء المنطقة بأنه يعزف عن الحضور خوفاً من الاطلاع على الكم الهزيل مما تبقى من مخطوطات مكتوبة بخط اليد، ومصاحف قرآنية وأدعية كُتبت بخط اليد ومُزينة بالذهب، ولم يتبق منها إلا القليل، وتم بيع جزء كبير منها دون أن تحرك الجهات المسؤولة أي ساكن لمنع ذلك العبث ومحاسبة من باعوا إرث وتاريخ وآثار اليمن.
ترميمات عبثية
ما إن دخلنا إلى فناء المسجد حتى تفاجأنا من هول ما رأيناه وتمثّل ذلك بالطمس المُتعمد لتاريخ المسجد، والنقوش المخطوطة بخط اليد الموجودة على سطح المسجد التي يتم محوها وتغييبها تحت غطاء الترميمات، وتبين إحدى الصور مدى العبث الذي يتم ارتكابه بآثار وتاريخ اليمن, فالجص أو ما يسمى (النورة البيضاء) غطت وطمست ما كان مكتوباً، خصوصاً ما تم تجديده في المسجد في عهد الإمام يحيى حميد الدين، والذي ذكر اسمه في الجهة التي تم ترميمها في عهده، إلا أنه ورغم تلك المبالغ التي تصرف لإعادة ترميمات المسجد بين الفينة والأخرى لكن دون جدوى، فما هي إلا مجرد عمليات طمس للماضي الذي عاشته اليمن، ومحو الآثار الدالة على ذلك، وتغييبها عن الحاضر والمستقبل، وكأن تلك المبالغ والترميمات تهدف عمداً إلى تغييب دلالات التاريخ بأسلوب مستفز جداً، يصل لدرجة الإجرام بحق هذا التاريخ التليد.
ضريح الملكة أروى وسلطان البهرة
على يسار المصلي داخل المسجد ويمين الخطيب معتلي المنبر في المسجد يوجد ضريح الملكة أروى, والذي بُني فيه قبرها وأوصت بدفنها فيه، إلا أن مرشدنا السياحي قال إنه تم نقل قبر الملكة أروى لمكان آخر، بعد أن أفتى العلماء بعدم جواز الصلاة في مكان يوجد فيه قبر, وما يوجد فقط ضريح يعبر عن المكان الذي كانت تقعد فيه الملكة أروى وتأتي إليه عبر سرداب من قصرها لتصلي وتستمع للخطبة وتصلي مع المصلين داخل ضريحها الذي بني على شكل غرفة رباعية الشكل تفوح منه رائحة عطر العود بشكل كبير، والسبب يعود إلى أنه كل سنة يأتي سلطان البهرة ويفتح له الضريح ،ويبدأ ببعض المراسيم ورش العطر العودة على كافة الضريح، والذي أفاد لنا المرشد أنه تقدر قيمة تلك العودة «العطر» والتي لا تنتهي رائحتها بداخل الضريح إلى خمسين مليون ريال.
المنبر والمحراب فقط...!!
بحسب ما قاله لنا المرشد السياحي فإن الشيئين الوحيدين داخل المسجد اللذين مازالا كما هما دون طمس أو حتى ترميم هما منبر الخطيب ومحراب الإمام فلايزالان كما هما دون أي تدخل من قبل من ينتهجون بجهلهم محو التاريخ بشكل مُتعمد.
مسبحة الألف وواحد
من ضمن ما يوجد في المسجد المسبحة التي تتكون عدد حباتها الألف وواحد, ويقال إنها كانت تُستخدم وتُفرد على أرضية وباحة المسجد ويجتمع حولها الجميع ليسبحوا ويدعو الله لإنزال المطر، ومن ثم يتجهون لأداء صلاة الاستسقاء في المكان المخصص في أحد الجبال.
ملتقى العلم والعلماء
وفي أركان المسجد وبعض جنباته بنت السيدة أروى بنت أحمد الصليحي الغُرف والأماكن لدراسة العلم والسكن لطالبي العلم من خارج المدينة، حيث كانت مدينة جبلة قبلة للعلماء ولطالبي العلم. فجعلت الأراضي الزراعية للزراعة وقفاً لتمويل العلم وطالبيه ورعاية المسجد، وكان الجميع يعملون ويتعلمون ويسترزقون، وكان طالبو العلم ممن يكملون حلقات تعلمهم يذهبون كلاً إلى مسكنه والمتمثل بالغُرف التي أنشأتها الملكة أروى على أطراف المسجد وجزء منه.
ترميمات بأدوات حديثة
في كل بلدان العالم الأثرية عندما تتجه الدولة أو أية جهة مانحة لترميم أي مكان أثري فإن أول شيء تبحث عنه هو الأدوات والمواد التي ستُستخدم في إعادة الترميم؛ بحيث تكون بنفس النمط المعماري الذي بنيت عليه تلك الآثار، وجعلها كأنها بنيت في تلك الحقبة، حتى وإن اختلفت ببعض المواد ولكنها تكون بسيطة الاختلاف، أما في مسجد الملكة أروى فيوجد عكس ذلك تماماً، فما يتم فيه من ترميمات تمحو الماضي وتعكس عدم الفهم لدى منفذي تلك الترميمات والقائمين على رعاية المسجد. . فمثلاً كل أبواب المسجد وغُرفه بُنيت على الطابع التاريخي والأثري بأبواب خشبية ولكن عند زيارتك الآن للمسجد تجد بعض تلك الأبواب قد تحولت لأبواب حديدية حديثة لا تمت للتاريخ الأثري بشيء مطلقاً، بل إنها تمحو وتطمس تلك الحقبة الزمنية تماماً.
سوق المدينة
من على إحدى شرفات المسجد ترى أسفل الجهات السوق الذي كان يتجمع فيه الناس لقضاء حوائجهم فكانت أغلب تلك الدكاكين المرصوصة بجانب بعضها البعض تعمل في مجال الحدادة، ولكن مع مرور الزمن تحولت وفي فترة ما لبيع الفضة والمنقوشات والمنحوتات الأثرية، لينقلب حالها الآن لتصبح محلات لبيع القات، والتي ينتشر بشكل مهول في تلك الدكاكين إلا من بعض منها والتي تبيع المواد الغذائية الضرورية للمنطقة.. تمر من خلال تلك الدكاكين لتصل إلى باحة المدينة من الجهة الأخرى للطريق الذي سلكناه في بداية رحلتنا والذي يتجه إلى قصر الملكة أروى والمتحف، فمررنا ببعض الآثار المنتهية فعلاً، والتي أبدى الوفدان التركي والمصري استغرابهم من جراء ذلك الإهمال لهذه المنطقة التاريخية.
قصر الملكة أروى
قصر يوجد فيه 360 غرفة، قيل عنه إن الملكة أروى كانت تسكن كل ليلة بغرفة ليس لشيء ترفيهي كما سيظنه البعض ولكن كانت الملكة أروى تنام كل ليلة في غرفة من أجل أن تعرف انتهاء السنة والتي أيامها تمتد ل360 يوماً، ولكن أين تلك الغرف وأين ذلك القصر الذي حكم اليمن من خلال الملكة أروى للفترة من (1085 - 1138) كما هو محدد من قبل المؤرخين.. القصر أصبح مكاناً للأشباح أو ملجأ للحيوانات البرية والتي تسكنه بسبب تلفه وعدم ترميمه، رغم ما قاله بعض من مرافقينا أن الصندوق الاجتماعي للتنمية كلف بترميمه، ورغم المبالغ المصروفة لترميم القصر والتي بلغت حدود المليار ريال، إلا أنه لأول مرة يفشل الصندوق الاجتماعي بتأدية مهمته على أكمل وجه، وهو المعروف بإنجازه للأعمال التي توكل إليه، وما حصل فقط أنه تم ترميم للسور الخارجي للقصر والذي رمم جزء صغير منه بأحجار لا تقترب حتى بلونها أو شكلها من أحجار القصر، ولكن سرعان ما تهدم هذا الترميم جراء الأمطار والعوامل المناخية دون أي ترميم آخر يُذكر وغياب كبير للجهات المسؤولة سواء مكتب الآثار بالمدينة أو الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية والتي اقتصر تسميتها فقط بالاسم وأخذ الأموال دون أي عمل يُذكر.
منازل حديثة بدلاً عن القديمة
في محيط القصر والمدينة تم استبدال المنازل الأثرية بمنازل حديثة تم بناؤها دون أن تحرك الجهات المختصة أي ساكن، فتحولت المدينة من أثرية لمدينة حديثة, حتى سكان هذه المدينة لم يتعاملوا معها على أنها مدينة أثرية وتاريخها عظيم، ويعتبر إنجازاً يجب أن يتباهى به أبناء اليمن كافة وأبناء مدينة جبلة خاصة, وظهر لنا أحد الشباب من أبناء المنطقة ليطرح مداخلة بالقول: إن من لديه الأموال الكثيرة يهدم القديم ويبني الجديد، وكل شيء يتم بالفلوس دون أي رادع أو جهة مسؤولة تمنع ذلك العبث بالمدن التاريخية.
متحف مزور للملكة أروى
عبر لافتة (لوحة تعريفية) مرمية على إحدى مرتفعات القصر بجانب إحدى الطرق تجدها مكتوب عليها (متحف الملكة أروى) ويهيأ لك أنك ستدخل متحفاً يضم كل أسرار ومدلولات تلك الفترة الزمنية الطويلة، ولكن سرعان ما تتلاشى تلك التهيؤات، وتتفاجأ بمنزل حديث يتكون من أربعة طوابق استحدثه أحد أبناء المنطقة بجهود ذاتية وجمع ما يمكن جمعه لحكاية تاريخ الملكة أروى وكيف حكمت اليمن، فتجد به بعض المخطوطات والكتابات القرآنية التي
خطت بخط اليد، وكذا بعض ما تبقى من مقتنيات كانت تستخدم إبان حكم الملكة أروى، ليحكي لنا أحدهم أن هذا المتحف أقيم على نفقة خاصة من قبل أحد أبناء المنطقة ليكون له مصدر رزق ويقتات منه هو وعائلته عبر بيع مصوغات فضية وبعض العقيق والأعمال الحرفية القديمة والتي تباع للسياح، حتى وإن تضاعف سعرها لثلاثة أضعاف، إلا أنه حرص من خلال المتحف أن يعرّف الزائرين على عهد الملكة أروى وكيف حكمت وما الذي قدمته لليمن واليمنيين؟.
سطح المتحف وجبلة الحديثة
من على سطح المتحف بعد الدور الرابع تجد بعض العبارات المنقوشة بأطراف المتحف خطت في عصرنا من قبل زوار قبلنا كذكريات عشاق، وكأننا على باص ملطخ مقاعده بعبارات كتبها شباب أرعن، وهنا تجد جدران السطح وقد لطختها أيادي تجهل معنى وقيمة التراث، ليلوث مداد حبرهم جماليات الماضي بغباء حروفهم؛ ظناً منهم بنقش ذكرى لزيارتهم، وهم في الحقيقة ينبشون في نعش آخر ما كنا نأمل أن نجده من تاريخ في متحف أخفى الماضي أكثر وطمس على تاريخه بكل جمالياته، وأسهم في ذلك التجاهل والصمت الرسمي لكل كاتب بتاريخ وحضارة اليمن، تلك الكتابات استوقفت الوفد الزائر الأتراك والمصريين وقالوا إنه في بلدانهم وبالأماكن الأثرية والتاريخية يحرم القانون الكتابة عليه بغير كتاباته الأصلية، ويغرم أي شخص على ذلك ويسجن.. وبالعودة إلى مضمون السطح وما تشاهده، فترى جبلة الحديثة من على شرفة سطح المتحف تجد مستشفى جبلة والذي كان يوجد به أمهر الأطباء من بلدان أجنبية، وكيف تم إنشاؤه على إحدى الضواحي للمدينة، ليكون قبلة للمرضى، ولكن سرعان ما بدأ بالتدهور بعد أن هجره الأجانب جراء ما قام به أحد المتطرفين، وقتل ثلاثة أطباء وجرح آخر داخل المستشفى، ولكن الجهود تبذل الآن من قبل أحد الأطباء اليمنيين لإعادة أمجاد المستشفى من خلال إدارته له، كما تجد المنازل الحديثة استحوذت على الجزء الأكبر المدينة وتطاول فيها أبناء المدينة بالبنيان ماحية معالم المدينة الأثرية.
تجارة جديدة
وبينما نحن نهم بالطلوع للباصات، استوقفتنا بعض الدكاكين التي تبيع الإكسسوارات الحديثة وكذا مكتبات حديثة وكذا بقالات وملابس وأحذية قال لنا أحد المرافقين إن تلك الدكاكين كانت تبيع المصوغات الفضية للسائحين والإكسسوارات القديمة التي يشتريها كل زائر للمدينة، ولكن بسبب تراجع السياحة وعدم توافد السائحين بسبب الأوضاع الأمنية فقد تم تحديثها لكسب لقمة العيش من قبل المالكين.
أخيراً
بكل ألم ومرارة نقولها إن مدينة جبلة التاريخية مغيبة تماماً ومُهملة بشكل صارخ من قبل الجميع، سواء الجهات المختصة وأبناء المحافظة أنفسهم، وتحتاج أولاً لجهود أبنائها الأوفياء ممن يتقلدون مناصب عدة في الدولة، ومنهم السياسي والطبيب والمحامي ورجل الأمن، ومنهم منخرطون في القوات المسلحة، والمثقفون والمسؤولون في المؤسسات الحكومية، وأيضاً تحتاج للجهات المعنية للحفاظ على تاريخ عظيم يشهد له العالم أجمع، كتاريخ دولة الملكة أروى بنت أحمد الصليحي ثاني امرأة تحكم اليمن. كما تحتاج لتوجيهات سريعة تصدرها قيادة السلطة المحلية ممثلة بالقاضي يحيى الإرياني تعمل على إعادة الاعتبار لهذه المدينة وللتاريخ الموجود فيها قبل أن يغدو أثراً بعد عين، ويصبح أطلالاً تبكي بعضها على بعض وحطاماً وركاماً، فهذا التاريخ العظيم لا يستحق منا كل هذا الإهمال والطمس والتخريب، بل أن نحمله فوق جباهنا إجلالاً.. وإكبار البلد عظيم اسمه اليمن.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.