فوجئت برفيق بالمقهى هذا الصباح يسحب المقعد المقابل ويهم بالجلوس، تطلعت إليه بدهشة قائلا: ما الذي أتى بك؟.. أجاب ونظرة احتجاج في عينيه: دي مقابلة تقابلني بها!؟.. قلت كالمعتذر: أعني لم أتوقع حضورك، لكوني لم أفرغ من مقالاتي عن عهد مبارك، توقعت أن تأتيني بعدها كالعادة مع ما قد تكتشفه من تناقضاتي.. قال: المقالات انتهت.. كدت أضحك، وعلقت: ما أدراك، بتنجم!؟.. أجاب: أعرفك بحكم العشرة، ستتوقف حيث توقفت.. قلت بتحد: بالعند فيك سأواصل.. ابتسم قائلا: لن تفعل، إذا فعلت ستضطر للدخول الى التفاصيل، أعلم أنك لا تحب التفاصيل.. أفحمني، فطلبت له كوراسون وشاي بالحليب، ثم اعتدل على مقعده وأردف: السؤال الآن: هل نحن مقدمون على إعادة تموضع للجمهورية الأولى بمواصفات معدلة، أم على أبواب الجمهورية الثانية؟.. أجبت: المستقبل لا يُقدِّم مواد مقروءة، عكس التاريخ، لأن مادة المستقبل لم تتجسّد بعد، علاوة على ما الذي يشغل شيخ مثلك بالمستقبل، أنت لست من رواده.. قال: أنا أصغر منك بأربعة شهور. لزم أن نغيّر المائدة بعيدا عن واجهة المقهى الزجاجية بسبب حمو أشعة الشمس، ما زلنا في الخريف، لم يُقبل الشتاء بعد بقضّه وقضيضه، وقاني الله شر ما يفعله بي كل عام، بعد قليل اقتحم المقهى بائع مسابح وعكاكيز قصدنا مباشرة، لأنه رآني أتطلع إلى بضاعته قبل أن نغادر مكاننا الأول. عرض عليَّ احدى عصيّه فقلت له: أنا أصغر سنا من أن أحتاجها!.. رد بسرعة بديهة يُحسد عليها: هذه العصا للشباب.. قلت: لولا أن لا صبر عندي لمناهدة الفصال لأخذت واحدة.. قال: ادفع ما تريد.. قلت: هذا أول المناهدة، مفروض أنك البائع وتعرف السعر.. قال: هي لك بلا ثمن.. قلت: سأعطيك فرصة لقول سعر واحد، إما أن أقبله أو تمسك الطريق.. قال: خمسين جنيها.. قلت: أمسك الطريق.. بالطبع لم يمسكه، واشتريت أنا العصا في النهاية بعشرين جنيها، قائلا له حتى لا يسيء الظن: لا حاجة بي إليها، إنها للشيخ الجالس إلى جواري.. علق رفيق قائلا: هدية مقبولة. تابع رفيق الرجل يمضي مبتعدا ثم قال لي: واحد من فريق البطالة المقنّعة التي تحدثت عنها، وإن كنت لا أدري لماذا لا نعتبره مثلا مندوب مبيعات!؟.. أجبت: لكي يعتبر عملا ما بطالة مقنّعة لذلك شرطان: الأول ألا ينتج عن عدم تأديته نقصانا في الدخل القومي، الثاني أنه عمل لا يحتاجه أحد سوى العامل نفسه، وبعض تلك الأعمال مثل منادي السيارات غيابها أريح، بعضها أيضًا ليست بطالة مقنّعة، الأصح إنها شحاتة مقنّعة.. حان موعد انصرافي، أخذت العصا ومضيت، وبعد خطوات ناداني قائلا: انت مش اشتريتها لي هدية؟.. أجبت دون أن التفت: مش حتنفعك، البائع قال إنها للشباب.. نادى قائلا: وبتقول علىَّ أنا اللي بخيل! للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (32) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain