نجد أن هناك تهميشا لدور لغتنا العربية في مستقبل الدستور المصري الذي من المقرر له أن يرسم تفاصيل حياة المصريين القانونية والحقوقية والتشريعية والإنسانية. وظني أن موقع لغتنا الجميلة من إعراب الدستور التشريعي الجديد بات في خبر كان, وهو أمر لاجديد فيه ويماثل ما وجدناه في الدستور الغائب وفي جملة الدساتير القديمة إلا دستور45 الذي حاول فيه كل من العلمين الكبيرين طه حسين وعباس العقاد, اللذين كان لهما الدور البارز في صياغة الدستور مع العلامة القانوني البارز مصطفي السنهوري باشا, فحاولوا جميعا أن يوجدوا دورا للغتنا الجميلة في سياق المعاملات الرسمية وغير الرسمية وفي طبيعة اللغة الإعلامية وخاصة لغة الصحافة والتلفزيون والإذاعة المصرية ولغة المؤلفات أدبية كانت أو غير أدبية, ولغة الخطابة العامة, وكانوا يقصدون آنذاك مجابهة حركة الهيمنة التي بدأت تلوح للهجات العامية والتي أخذت تنتشر في زمانهم. ويضيف د. بهاء, لا نريد أن نقف كثيرا أمام الدساتير السابقة وخاصة دستور0891 الذي أهمل دور لغتنا الجميلة, واكتفي كالدستور الجديد بأنها( لغة الأمة), مما ترتب عليه منذ ذلك العام وإلي يومنا هذا أن ضاعت ملامح اللغة الفصحي وطفت ملامح اللهجات العامية التي طغت علي كل مظاهر الحياة. ويري د. بهاء حسب الله ضرورة مراعاة لغتنا الأم قبل أن تضيع وتندثر, ونتذكر النداء الذي وجهته منظمة اليونسكو من أن هناك لغات ستندثر خلال الخمسين عاما المقبلة وعلي رأسها اللغة العربية إذا لم يتحرك أصحابها لنجدتها, وأن تلتزم الدولة بجعل لغة التعامل في مدراسنا وجامعاتنا هي اللغة الفصحي وفي لغة الإعلام بجميع أنواعه. ويؤكد د. حسام عقل أستاذ النقد الأدبي جامعة عين شمس أن مصر تعد قطرا من أعرق الأقطار في صياغة الدساتير وكتابتها وبما تقره هذه الدساتير من نهج ومعلم لتحديد هوية الدولة وطنيا وعقديا ومن ثم رسم الولاءات الكبري وفي الصدارة منها ولاؤنا للغة العربية. وبمراجعة الدساتير الحديثة التي أقرها المصريون بدءا بأول دستور تشكل عام2881 من ثلاث وخمسين مادة, مرورا بدستور3291 يليه دستور0391 ووصولا الي دستور6591 وكان يتشكل من ستة أبواب و691 مادة فضلا عن الوحدة بين مصر وسوريا( مارس8591) وانتهاء بدستور1791( بتعديلاته المتكررة) سنلاحظ بمراجعة مواد هذه الدساتير أن وضعية اللغة العربية لسان الأمة المصرية لم تتطور الي الأمام فيه شعرة زيادة عن الصيغة التي ودت بالمادة الثانية الشهيرة من الدساتير الأخيرة الأحدث والتي تنص علي أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية وهي صيغة فضفاضة ولاترتب علي انتهاك اللغة العربية أي مواد عقوبية ترد للعربية هيبتها الضائعة علي الألسن وفي وسائل الإعلام والتخاطب اليومي. ويري د. عقل أن مجمع اللغة العربية بحسب القانون يعد جهة فنية لا يزيد دورها عن وضع المعاجم وتشجيع الإنتاج الادبي والعلمي وضبط المصطلحات دون أي شكل من أشكال الصلاحية التنفيذية في تعقب المنتهكين للغة أو إلحاق عقوبة بهم وان مسودة الدستور الأخيرة( وما سبقها من مسودات) لاتمنح للعربية ومؤسساتها القوة المطلوبة النافذة, قياسا الي ما تقوم به الأمم الحديثة لصيانة لسانها وهويتها. ففي فرنسا مثالا لاحصرا سنت المجالس التشريعية من أجل الحفاظ علي اللغة ما سمي بقانون لزوم الفرنسية( صدر عام4991) ويحظر علي كل مواطن فرنسي استخدام ألفاظ أو عبارات من لغات أجنبية ما دام ثمة ما يماثلها في اللغة الفرنسية ويسري هذا الحظر علي كل الوثائق والمستندات والإعلانات والمؤتمرات والندوات ومكاتبات الشركات ومن يخالف هذا القانون يعاقب بالسجن أو غرامة تصل الي ألفي دولار, في حين ان مواد القانون المصري رقم511 لسنة8591 تعاقب من ينتهك حرمة العربية في المكاتبات واللافتات بغرامة تبدأ من عشرة جنيهات ولاتزيد علي مائتي جنيه, واري ضرورة تفكير المشروع المصري بجدية في منح الضبطية القضائية لمجمع اللغة العربية في معاقبة من يستهين بلغته ولسانه لإيقاف طوفان التدهور الذي لحق بالعربية.