إن أعظم حقوق العباد علينا حق الوالدين، وحق الأقارب. فقد جعل الله ذلك في المرتبة التي تلي حق الله المتضمن لحقه، وحق رسوله، فقال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى). وقال تعالى: (ووصّينا الإنسان بوالديه). وبيّن العلة في ذلك إغراءً للأولاد، وحثًّا لهم على الاعتناء بهذه الوصية فقال: (حملته أمه وهنًا على وهن) أي ضعفًا على ضعف، ومشقة على مشقة في الحمل، وعند الولادة، ثم في حضنه في حجرها، وإرضاعه قبل انفصاله، فقال تعالى: (وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير). ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم بر الوالدين مقدمًا على الجهاد في سبيل الله، ففي الصحيحين عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أيّ العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. وقد أوصى الله تعالى بصحبة المعروف للوالدين في الدنيا، وإن كانا كافرين، بل وإن كانا يأمران ولدهما المسلم أن يكفر بالله، لكن لا يطيعهما في الكفر.. فقال تعالى: (وإن جاهداك -أي بذلا جهدهما- على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا واتبع سبيل من أناب إليّ). وإن بر الوالدين كما يكون في حياتهما، يكون أيضًا بعد مماتهما، فقد أتى رجل من بني سلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله: هل بقي من بر أبويّ شيء أبرهما بعد موتهما؟ قال: نعم.. الصلاة عليهما، يعني الدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما -أي وصيتهما من بعدهما- وصلة الرحم التي لا توصل إلاّ بهما، وإكرام صديقهما). رواه أبو داود. وإن في بر الوالدين سعة الرزق، وطول العمر، وحسن الخاتمة، ف»عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَن سرّه أن يُمدَّ له في عمره، ويوسَّع له في رزقه، ويُدفع عنه ميتة السوء فليتقِ الله، وليصل رحمه».. (إسناده جيد). وبر الوالدين أعلى صلة الرحم؛ لأنهما أقرب الناس إليك رحمًا. قد نهى الله تعالى عن عقوق الوالدين في أعظم حال يشق على الولد برهما فيها فقال تعالى: (إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا). ففي حال بلوغ الوالدين الكبر يكون الضعف البدني والعقلي منهما، وربما وصلا إلى أرذل العمر الذي هو سبب للضجر والملل منهما، وفي حال كهذه نهى الله الولد أن يتضجر أقل تضجر من والديه، وأمره أن يقول لهما قولاً كريمًا. إن من الناس من لا ينظر إلى والديه اللذين أنجباه وربياه إلاّ نظرة احتقار وسخرية وازدراء، يكرم امرأته ويهين أمّه، ويقرب صديقه ويبعد أباه، إذا جلس عند والديه فكأنه على جمر يستثقل الجلوس، ويستطيل الزمن، اللحظة عندهما كالساعة أو أكثر، لا يخاطبهما إلاّ ببطء وتثاقل، ولا يفضي إليهما بسرٍّ ولا أمرٍ مهمٍّ قد حرم نفسه لذة البر وعاقبته الحميدة. حمود الشميمري- جدة صحيفة المدينة