انشغلت الاوساط السياسية والاعلامية في اليمن منذ الجمعة الفائتة بزيارة الوفد الإصلاحي لصعدة ولقائه بعبدالملك الحوثي زعيم الجماعة الحوثية، وبدا اللقاء مفاجئاً للجميع بمن فيهم أعضاء الطرفين، وقوبل بردود أفعال تراوحت بين التشنج الرافض لذلك اللقاء وبين الترحيب المتحفظ والاستحسان المتفائل. ففي بلد كاليمن يعاني من تعدد النزعات، وسطحية التفكير، واختلال الوعي، وتحكيم العاطفة، كان ينبغي منذ وقت مبكر أن ندرك أن الواقع المرير أفضل ألف مرة من الأمل الزائف، فالرشد مرحلة لم يصل إليها أحد، سواء الإصلاح أو الحوثي أو المؤتمر. فاليوم لم تعد الثقة قائمة بين مختلف الأطراف السياسية باليمن، واستمرار فقدان الثقة يجعل البلاد عرضة للتمزق، ويهدم كيان الدولة اليمنية التي ترتكز في تكوينها على التعددية السياسية، ونتيجة لانعدام الثقة والتوجس من الآخر أيا كان توجهه شهدنا جمود وتعثر وتناسل أزمات عصفت بالحل السياسي وبالقوى المختلفة منذ ثلاثة أعوام، والنتيجة كانت جرعة من الهزائم لم يستثنى منها أحد، وتوقف محبط لاستكمال بناء الدولة كما كان يفترض. لذلك يبدو من المهم تنشيط التحالفات والدفع نحو التقارب بين جميع القوى السياسية لإزالة ركام الماضي والمحافظة على ما تبقى من مكاسب ومصالح خاصة وعامة. ورغم بعض التحفظات الشخصية عن هذا التقارب لكنه يبدو في غاية الأهمية إذا كان الطرفان جادان في تنفيذ ما سيسفر عن هذا التقارب، والعمل معا من أجل مصلحة البلاد، ويكفي أن يكون هذا التقارب اختباراً جديداً لجماعة الحوثي ومدى إيمانها بالآخر واحترامها للاتفاقات، وامتحان صعب للإصلاح في اتخاذ مثل هذا القرار ومدى المكاسب التي يأمل تحقيقها في مد جسور التقارب مع الحوثي وتطبيع العلاقات مع الجماعة. تقييم اللقاء من حيث التوقيت ربما يعكس العديد من المدلولات التي التصقت بموقف الإصلاح، والسبب الذي دفعه لاتخاذ خطوة كهذي، وكان من المفترض اتخاذها منذ وقت مبكر للتقليل من الخسائر التي لحقت بالإصلاح جراء توتر العلاقة بين الطرفين منذ سنتين تقريباً. لكن ما يغفله هؤلاء أن الإصلاح الذي رفع شعار النضال السلمي منذ وقت مبكر سعى بكل ما أوتي من قوة لتجنيب البلاد ويلات الانزلاق نحو الفوضى والحرب، معولا على الدولة أن تقوم بواجبها وتدافع عن مصالحها وسيادة البلد الذي تحكمه، ولم تفلح وسائل الحكمة وأساليب التعقل في إيقاف تدفق المؤامرة وسد أبوابها، لذلك المنزعجون من ملامح التقارب بين الإصلاح والحوثي هم أنفسهم الذين سعوا لتأجيج النار والعداوة بين الطرفين ودفعهم نحو الاحتراب والفتنة المذهبية. صحيح أن الحوثي والاصلاح مكونان فكريان لا يلتقيان، لكن عظمة النجاح السياسي تكمن في التغلب على القطيعة وتجاوز النقائض، وتحجيم الخسائر، وهناك الكثير من نقاط التلاقي التي ينبغي التوقف عندها بين الجانبين، وتنميتها، وإغفال مواضع الخلاف، ومنابع التشوك في علاقتهما، فاليمن تحتاج أكثر من أي وقت مضى لتفعيل المصالحة والتوافق بين جميع الأطراف، والإصلاح مطالب بالمحافظة على ما تبقى من مصالح تخصه أو أعضائه، خاصة أنه أكثر الأحزاب تضرراً من الأحداث الأخيرة. والأحداث المتتابعة تفرض تحكيم العقل وتجاوز الماضي ومخلفات إرث الصراع، وإذا ما نجح هذا التقارب فإنه يؤسس لثقافة التعايش لأبناء البلد الواحد بعيدا عن منابع الشحناء وبؤر التوتر فمهما كانت درجة العداوة والقطيعة والبغضاء يبقى الجميع أبناء بلد واحد ومصير واحد، ومن المفترض أن لا تبقى هذه التجربة على هذين المكونين، بل ينبغي أن تشمل جميع الأطراف. وإذا سلمنا بحسن النوايا فإن ذلك التقارب لايزال محفوفاً بالشكوك، ويبدو أن اللجوء إليه أشبه بشخصين يوشكان على الغرق في الماء، فإما أن يجذب الإصلاح الحوثي نحو السلمية والتوافق والمدنية، أو أن يجره الأخير نحو الاسفل. [email protected]