لعب كاتب السيناريو آرون سوركين على دلالة مسرحيته الشهيرة التي تحولت إلى فيلم أشهر، عندما استبدل الصحفيين بالرجال، وتمادى في وصفه الصحافة بالمضللة أكثر من القراصنة أنفسهم، وهو يتحدث عن نشر معلومات شخصية استحوذ عليها متسللون إلى حسابات إلكترونية لنجوم مجتمع. وتأسى سوركين الذي أنجز كتابة سيرة مؤسس شركة آبل ستيف جوبز في فيلم قيد التصوير، على الصحافة واصفا إياها بمساعدة المجرمين بمجرد نشر أي معلومة استحوذ عليها الهاكرز. وكتب دون مواربة في صحيفة نيويورك تايمز،«دعنا نقول إن كل وسيلة إعلامية نشرت تفاصيل معلومات ما سرقه القراصنة، هو عمل لا أخلاقي وغير مشرف بدرجة مذهلة». ويعتقد آرون سوركين أن القراصنة عندما يخترقون حسابا على الإنترنت، فإنهم يقومون بذلك من أجل قضية تخصهم، لكنه لا يجد تفسيرا عندما تقوم وسائل إعلام كبرى بإعادة نشر المعلومات المسربة، سوى مساعدة المجرمين. وهو في ذلك يضع الصحافة بمرتبة أسوأ مما فعله الأخ الأكبر في رواية جورج اورويل 1984. سنجد ما يكفي من العذر لحامل الأوسكار وصاحب أفلام القليل من الرجال الفاضلين، والرئيس الأميركي، والجناح الغربي، لكنه في كل الأحوال لم يسبق له أن عمل في غرفة الأخبار! هكذا وصف رئيس تحرير صحيفة الغارديان آلان روسبريدغر الذي سيترك موقعه خلال أشهر، وهو يرد على انتقادات الرئيس الأميركي باراك أوباما، متهما الصحافة بأنها تغذي القصص الإخبارية الحساسة من أجل الحصول على المزيد منها. وسوركين كأوباما يريدان تطويق الصحافة، أو يتهمانها بتغذية تداعيات قصص التجسس ويطالبان بتقنينها، وبذلك فإنهما بالتأكيد يسيئان فهم طبيعة الأخبار وهدفها. الصحافة وفق مفهوم روسبريدغر الذي يعد أكثر رئيس تحرير لصحيفة بريطانية بقي في موقعه، لا تتسول أخبار التجسس كما يعتقد بعض السياسيين أو غيرهم. ثمة حلقات في السلطة سيئة جدا عندما يتعلق الأمر بمراقبة الجميع، كل السوابق التاريخية على هذا النمط لم تكن تختتم بنهاية سعيدة. فسوركين ربما لا يدرك مثلا أن مسرب الوثائق إدوارد سنودن، كان يريد أن يقول لنا قد تستيقظ فجأة لترى أن كل ما بني أصبح مدعاة للقلق. وفي كل الأحوال يبقى تسريب المعلومات الشخصية من قبل القراصنة أمرا لصوصيا مرفوضا، لكن ليس من العدل وفق مفهوم الصحافة وضع كل التسريبات في سلة غير فاضلة. فالجمهور ينظر إلى سنودن بغير العين التي تنظر بها وكالة الاستخبارات الأميركية، وهنا يأتي دور الصحافة كشاهد أخلاقي. الصحافة هي الطريقة الوحيدة المتاحة للمناقشة الحرة، والتي يعلم الجميع أهميتها الآن، ولكن الحكومات نفسها لن تشجعها وكذلك أجهزة المخابرات لن ترحب بها أبدا، وفق تأكيد رئيس تحرير الغارديان. الصحفيون يضعون لأنفسهم التعريف التاريخي، عندما يختارون نشر الحقائق بقلوب صلبة، وهم في ذلك يتوقون إلى الشفافية كوسيلة للحد من الفساد وضعف الأداء، بينما الحكومات لا تدفع أكثر من ضريبة كلامية وهي تتحدث عن الانفتاح، وكل دعوات السماح بالتداول الحر للمعلومات انتهت بالإحباط أو التجاهل من قبل الحكومات لأنها غير قادرة على التكيف مع واقع الانفتاح على المعلومات.