غير بعيدٍ عن "الربيع العربي" وعن حركة "احتلوا وول ستريت"، انتجت هوليود في الآونة الأخيرة ثلاثيات تشويقٍ وخيال تحمل رسائل التمرد وبصمات الثورة. الأفلام "الثورية" نالت إعجاب جمهور السينما بتربعها على قمة شباك التذاكر الأميركي، رغم أن أفلام التمرد كثيراً ما تكون مأساوية، حيث غالباً ما تصوّر الشعب على أنه ضحية، وتجعله مجرد قطيع خاضع وتابع لتأثير أحد الأطراف، كما في The Maze Runner وThe Hunger Games وDivergent وغيرها. الموسم بقصة The Hunger Games التي جاءت قريبة من الواقع العربي، رغم أنها من نسج خيال الكاتبة الأميركية سوزان كولينز، حيث تحكي قصة نضال المقاطعات ال 13 ضد دكتاتورية المركز، قبل أن تتطور مراحل الثورة رمزياً ومادياً، بالتزامن مع تطور حنكة المتمردين مع الوقت واكتسابهم لخبرات ومهارات جديدة. The Maze Runner أما The Maze Runner، فهو ثلاثية أفلام إثارة وخيال علمي وحركة أميركي من إنتاج العام 2014،، أخرَجَهُ ويس بول وسيناريو نواه أوبنهايم، وهو مُسْتَوحى من روايةٍ تَحمِلُ نَفس الاسم للكاتب جيمس داشنر. يحكي الفيلم قصة الصبي توماس الذي يستيقظ فاقد للذاكرة داخل مصعد ويرى شباب متجمعين حوله، ليكتشف أنه في سجن كبير محكم مخرجه الوحيد هو متاهة تتغير كل يوم وعليه الهروب منها خلال ساعات النهار متجنباً الوحوش التي تظهر في المتاهة ليلاً. يعرض الفيلم للصراع الطبيعي بين فريقين من العالقين في المتاهة، فرغم وحدة مصيرهم جميعاً، إلا أن هناك مجموعة تريد المغامرة ولا تخشى التضحية، مقابل مجموعة أخرى ترضى بالواقع وتخاف مواجهة الوحوش أو تغير قواعد اللعبة التي اعتادوا عليها، وهو ما حدث بالفعل عندما تقدم توماس في المتاهة فأصبحت الوحوش تدخل الساحة بعد أن كانت لا تخرج من المتاهة أبداً وتتضاعف تكلفة التضحية والمواجهة. ورغم اكتشاف مجموعة المتمردين أن المتاهة مصمتة وغير قابلة للحل، فإنهم أبقوا الأمر سراً حفاظاً على الأمل بالحرية لدى الجميع، رغم أنهم يدركون تبعات المغامرة وتعقيدها، وكانت المفاجآة هي نجاح الخطة وخروجهم من المتاهة. وفي الجزء الثاني (الذي عرض في سبتمبر/أيلول 2015)، تبدأ المغامرة الحقيقية حيث وجدوا أن الحياة خارج المتاهة ليست كما ظنوا وأنهم محتجزين في المنظمة التي صممت المتاهة وأن مؤامرة كبيرة تجري ويجب عليهم الهرب فوراً للخارج، فيكتشفوا أن الأرض لم تعد هي الحدائق والزهور، ولكنها بدلًا من ذلك أرض خربة تنتشر بها كائنات آكلة للبشر مصابة بفيروس معدي بينما يحاولوا أن يكتشفوا طبيعة المنظمة التي صممت المتاهة واحتجزتهم فيها ثم هربوا منها بأعجوبة ليبحثوا عن المقاومة "الذراع الأيمن". وبعد رحلة معاناة، وصلوا إلى أحد مقرات المقاومة والذين احتجزوهم ولم يثقو فيهم ثم تعرض المقر لهجوم شديد من المنظمة، فهربوا جميعاً لمكان آمن يضم الناجين سرعان ما اكتشفته المنظمة بعد أن أبلغتهم صديقة توماس بإحداثيات المكان وتهجم عليه بقوة نارية مفرطة وينجوا بعض أفراد المقاومة حاملين خيبة المواجهة ومرارة الخيانة مع أمل واستعداد للجزء الثالث الذي يتوقع عرضه بعض شهور. كيف تبشّر الأفلام بالثورة؟ وعلى الرغم من كون أفلام ال "دستوبيا" أو العالم البائس لم تعد جديدةً، فإن روح التمرد جديدة من نوعها، خاصةً وقد تعددت من التمرد الفردي والجماعي والمنظم وتنوعت حلقاتها من التمرد على المجموعة والمنظمة والدولة وقواعد النظام العامة وحتى التمرد على المقاومة ذاتها بما يشبه الثورة على الثورة! في انتقالٍ من النص إلى الصورة، ومن الرواية إلى السينما، تأتي ثلاثية The Hunger Games التي تعرض رواية 13 مقاطعة قامت بالثورة في بانيم ضد العاصمة المركزية الرأسمالية التي انتصرت ودمرت المقاطعة 13 تماماً. وكعقاب على خيانة "الثورة"، قامت الحكومة بعمل مباريات الجوع سنوياً باختيار شاب وفتاة من كل مقاطعة للدخول في ماراثون قتالي حتى يبقى شخص واحد منتصر (البقاء للأقوى والأذكى). في الجزء الأول، تفوز فتاة اسمها كانتيس ايفيردين من المقاطعة 12 في الدورة ال 74 للمباريات مع ابن مقاطعتها بيتا، الذي تنقذه من موت محتم بدلاً من أن تقتله في كسر لقواعد اللعبة رضخت له العاصمة. وبعد فوزها تصبح كانتيس بطلةً ورمزاً لجماهير المقاطعات الفقيرة – بغير إرادتها -، ما يشعل الثورة في مقاطعتها وتمتد لمقاطعات أخرى فتعلن العاصمة عن مسابقة مميزة تضم الفائزين من المباريات السابقة. يمتد التمرد لتشتعل ثورة احتجاجية في الجزء الثاني من المباريات الذي يتواطئ فيه المتقاتلون على الهرب من حلبة المسابقة بمساعدة الثوار، وينتقل الأبطال سريعاً إلى حرب حقيقية بعد أن تعود كاتنيس لمقاطعتها، تجدها مدمرة فتنضم للثوار تحت الأرض في المقاطعة 13 وتوافق أن تكون رمزاً للثورة وتقوم بتجنيد ثوار المقاطعات الأخرى الذين يتعرضون لقصف عشوائي شديد، ويشنون هجمات على العاصمة لتحرير. انقلبت بدايات التمرد لثورة احتجاجية، ثم لحرب حقيقية شنتها الدولة العسكرية مستخدمة السلاح الثقيل ضد المدنيين، وكذلك الدعاية السوداء والتهديد بالحرب الأهلية وهو ما يشبه صور الدمار في سوريا والعراق وغزة، والتي تعد مصدر إلهام للمخرج فرانسيس لروانس كما يقول "كنا نحاول دائما أن نتخيل ماذا يكون رد الفعل الحقيقي في حالات مثل قصف مستشفى مليء بالمصابين بدلاً من أن نفترض أننا في عالم خيالي". أوجه الشبه مع "الربيع العربي" بالتأكيد ستتعاطف مع المتمردين الأبطال، لكن ماذا يحصل حين تنتكس الثورة ويتعرض المدنيون للقصف الشديد وترى بشاعة الحرب؟ وكيف سترى تفجير المتمردين والثوار لسد المياه الذي سيؤدي لفياضانات وتعطيل كهرباء وانهيار المصالح؟ يقول فرانسيس، "مؤسف جداً أن هذا الفيلم يعكس ما يحدث في عالمنا اليوم. ولكن هذه الأمور كانت تحصل منذ بداية التاريخ. وأنا لم أرد أن أقول في الفيلم أن تفجير السد كان شيئا مقبولاً. بصراحة في الحرب، أي حرب، ليس هناك الجيد والسيء، هناك ظلال رمادية وأحيانا تكون مربكة". تبدو التشابهات بين ثوار المقاطعات ضد العاصمة واضحةً مع الربيع العربي ومن أمثلة ذلك: الإعلام الديكتاتوري يلعب دوراً في تخدير الشعب مع الألعاب المصممة للإلهاء، وتفرق الثوار وتبعثرهم يضعف موقفهم بشدة، والتعاطف مع البطلة لا يكفي ليغير المعادلة، والحاجة للقيادة والرمز تظل أساسية في أي ثورة ناجحة، والتضحية حتمية ولو تراجع الثوار، وأخيراً حلم إسقاط الديكتاتورية ممكن وغير مستحيل لكنه مكلف جداً، ويظل الاختلاف الأكبر بين الربيع العربي وثورة المقاطعات في بانيم هو عدم وجود تدخل أجنبي يدعم الديكتاتورية أو يتلاعب بالثوار، ما يجعل الثورة ذاتية وحقيقية وغير قابلة للتشويه عند عموم.