قبل أسابع ودعنا العام الهجري، وها هو العام الميلادي قد أزف رحيله، والأيام والأعوام من حيث الزمان متشابهات، ولكنهن فيما يجري فيهن من أمور ويحدث من أحداث جداً مختلفات، فيقال أيام مسرات، أو انتصارات، وأيام نحسات، ويقال أعوام جدب مُمحِلات، وأعوام خصب وبركات، فتوصف الأيام والأعوام بما يجري فيها، فماذا يمكن أن نقول عن عامنا الذي فات؟! «عامٌ» مضى بالهم والحسراتِ يا ليت شعري أيُ «عام» آتِ؟ أقرأت كشف حسابهِ ورصيدَه وخسارة الأخلاق في الصفقات؟ إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإذا دريت فأنت في الأموات في نهاية كل عام التاجر الناجح يحصي ربحه وخسارته، بل إن البنوك وكبار التجار يقومون بالتدقيق اليومي على صناديقهم، وكذلك الأحرار يحاسبون أنفسهم قبل أن يُحاسبُوا، وعندما تستعرض أمتنا كشف حسابها للعام الماضي تجد ما يلي: في ذلك العام أقيم بين بلدنا للشيطان حفلات وعبادات، وذلك من أكبر الموبقات. وفي العام الماضي كثرت السرقات والاختلاسات حتى إنه في «الأمانة» ضاعت كل الأمانات. عام عمت فيه الشكوى من الفساد والمفسدين ونهب الثروات وبيع المقدرات. في العام الماضي سقط قتيل عندما احتدمت المعارك في ساحات الجامعات، التي تحولت على جبهات. وفي العام الماضي ازداد الاعتداء على الأطباء والكوادر الطبية في المستشفيات. في العام المنصرم يحاكم رئيس جهاز أمني بتهمة الفساد، ويحكم عليه بالسجن سنوات. عام ارتفعت فيه الأسعار، وتضاعف عجز الموازنات، وتراكمت المديونية حتى صارت تُعد بالمليارات. عام مضى كله مطالبات واحتجاجات واضطرابات واعتصامات ومظاهرات. عام عمت فيه الفوضى، وغاب فيه الأمن، حتى اعتدى المعتدون على الممتلكات. عام نادى فيه الحاكم والمحكوم وطالبوا بالإصلاحات، ولكن لا أحد يسمع النداءات. عام شُكلت فيه لجان كثيرة، ولجنة للحوار الوطني وقدمت توصيات، ولكن هيهات هيهات! في العام الماضي تراكمت المصائب وتضاعفت، ولم يُجدِ في حلها لا حل البرلمان ولا تغيير الوزارات. عام كان النواب مشغولون فيه بسن قوانين وتشريعات لرواتبهم وتقاعدهم، والامتيازات والجوازات، وعندما عُرضت ملفات بيع الشركات والمقدرات، ثبتت براءة كل المتهمين مما نسب إليهم من اتهامات. أما قانون المطبوعات، فمر مر السحاب وبكل يسر وسهوله؛ لأنه جاء في وقت التسلية بالمكسرات. ولكن مع كل ما لف ذلك العام من الظلمات، إلا أنه كان فيه اضاءات وإشراقات ومبشرات، لقد طلق الناس الخوف وواصلوا المطالبات، وقدموا التضحيات وأشاروا بأصابعهم إلى المتهمين، وحددوا الاتهامات. أطيح بزعامات فلم نعد نرى في كل ما جرى من انتخابات تلك التسعات المعهودات. عام اعتدى فيه اليهود على غزة، ولكنها سجلت انتصارات ولأول مرة تُقصف البوارج وتسقط الطائرات. ولأول مرة تطال صواريخ المجاهدين القدس وتل الربيع و»إيلات». ومع نسيم ربيع العرب المفعم بعبق الشهادة توافد زعماء كبار إلى غزة أصحاب معالي وذوات. لقد انقضى العام بكل ما فيه ولكن الخوف مما هو آت. «رُبَّ دهر بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه» نسال الله السلامة، فقد أخبر عليه الصلاة والسلام، أنه لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه. [email protected]