ما يزال الكيان الصهيوني يحتل فلسطين ويعربد في المنطقة العربية, يضرب هنا وهناك, وها هو اليوم يعتدي على الأراضي العربية السورية مستفيداً من الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها سوريا, وإذا كان قد ضرب تونس والعراق في ثمانينيات القرن الماضي دون أن يخشى أي رد فعل عربي حينها, فهو مطمئن اليوم إلى أن الظرف العربي الراهن مُوَات أكثر من أي وقت مضى حتى بدون غطاء أمريكي, ولا نتوقع من أصدقاء سوريا (روسيا والصين) أن يعملا شيئاً سوى التعبير عن القلق والاستنكار في أحسن الأحوال!! العدوان الإسرائيلي جريمة مدانةٌ من كل العرب ومن كل المسلمين ومن كل أحرار العالم, ويجب أن تستعيد الذاكرة العربية والإسلامية حقيقة الصراع مع هذا العدو, وتبحث عن الفعل الصحيح – بعيداً عن الشعارات الجوفاء – لوضع حد لهذا الصلف وإنهاء الاحتلال, وما صنعه النظام العربي لنصرة الشعب الفلسطيني لا يعدو العمل السياسي الذي لا يرقَ إلى مستوى الحدث… الشيء المؤسف أن يتم توظيف العدوان الإسرائيلي للكسب السياسي من قبل المؤيدين للنظام السوري أومن المعارضين له, وفي لحظة فارقة وخطيرة يغيب فيها العقل والشعور بالمسؤولية, ويحضر الابتزاز والانتقام, والأكثر مأساوية عودة الصراع- العربي العربي- عند النخب السياسية إلى ما كان عليه خلال القرن الماضي, وهو الصراع الذي أفقد أمتنا مواردها ومصادر قوتها وجعلها تعيش الانقسام والضعف والوهن وذَهاب القوة والبأس, وتسبب في تبديد طاقاتها فيما لا جدوى منه, الأمر الذي يستدعي تنادي عقلاء الأمة من كل ألوان الطيف السياسي والفكري للعمل على إعادة الوعي والتأكيد بأن إسرائيل تظل العدو التاريخي الذي يجب أن تتحد كل القوى السياسية والشعبية لمواجهته, وتحشد طاقات الأمة من أجل التخلص منه واستعادة كل الأراضي العربية المغتصبة بما فيها مرتفعات الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية… لاشك أن الحديث اليوم عن هدف كبير مثل هذا يبدو بعيداً, قبل مداواة الجراح ولملمة الصف العربي الذي ما زال في مرحلة التّشَكُّل, ومن الصعب أن تستعيد أمتنا مكانتها وعافيتها قبل وضع الحد الأدنى من إصلاحات الأنظمة العربية بحيث يأخذ المواطن العربي حريته وحقوقه ويستعيد كرامته ويصبح شريكا أساسياً في اتخاذ القرار, ولابد أن ينتهي الصراع بين الحكام والشعوب, وتوضع قواعد تسمح للجميع بالشراكة والوصول للسلطة أو المشاركة فيها بدون عنف. إن مسؤولية جميع المحبين لوطنهم العربي الكبير, والباحثين عن مجد أمتهم أن لا يألوا جهداً في السعي لتجاوز الخلافات, وردم الفجوات, والتأسيس للتعايش والتعاون والقبول بالآخر, وإنهاء مرحلة الاستئثار والإقصاء, فلا تُبنى الأوطان إلا بجهود جميع أبنائها, هكذا نهضت الشعوب والأمم, وهكذا تُعَلّمُنا دروس التاريخ, وقد رأينا كيف تجاوز الغرب الآثار المدمرة للحرب العالمية الثانية, فبحث عن القواسم المشتركة, ومدّ جسور التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي بين دوله, وأوجد أنظمة قابلة للتجديد والتطور, ووجّه كل الإمكانات للبناء والإعمار ورفاهية الإنسان, ونحن أولى بتَمَثُّل هذه المعاني, ولدينا من القواسم المشتركة والإمكانات المادية والبشرية ما يمكّننا من النهوض بقوة وسرعة, فقط نحتاج استعادة الوعي والثقة بأنفسنا وإصلاح بيتنا من الداخل, فهل نفعل أم نعيد دورة الصراع ودوامته التي لا تنتهي!!؟ ( الدكتور أحمد الجرموزي في رحمة الله) الاثنين المنصرم ودعنا علَماً وطنياً من أعلام التربية والفكر الذي انتقل إلى جوار ربه بعد معاناة طويلة مع المرض, إنه الأخ العزيز الأديب المربي الدكتور أحمد بن علي الجرموزي كان رحمه الله مثالاً للنشاط والحيوية والترتيب والانضباط والأخذ بالعزائم, والالتزام بالذوق, يسعد للأعمال المتقنة, ويتطلع ليرى وطنه متخلصاً من كل مظاهر التخلف والتسيب والإهمال, يتحدث بالفصحى ويحب اللغة العربية إلى حدّ العشق, وله في ذلك رسائل مفيدة أهداني بعضها. عرفته طموحاً مثابراً عندما درسنا معا الدبلوم الخاص في كلية التربية بجامعة صنعاء عام 1985م, وبعزيمته الفولاذية واصل دراسة الماجستير والدكتوراة في مصر متخصصاً في علم النفس التربوي. ورغم المواقع التي شغلها وخاصة في المجال العسكري والتوجيه المعنوي, إلا إنه ظل زاهداً بالدنيا رافعاً رأسه عن التّزلف والمَلق, عاش يحمل هموم أمته ويبذل حياته في سبيل تربية وتعليم الأجيال الصاعدة في القطاع العسكري والمدني, وقد كان آخر عمل شغله أستاذاً في جامعة صنعاء ورئيساً لمركز الإرشاد التربوي والنفسي فيها. وعندما وصلني نبأ وفاته أنزلت الخبر على صفحتي بالفيسبوك, فانهالت التعليقات من كل حدب وصوب تشيد بمناقبه وتشهد له بالخيرية , وإني لأرجو أن يكون هذا عاجل البشرى له في الدنيا فالناس شهود الله في أرضه.أسأل الله أن يتغمّده بواسع رحمته ويلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان " إنا لله وإنا إليه راجعون "