المسار الذي اختاره العسكر في مصر، الدموية المفرطة والجرأة على استباحة المحرمات إنسانيا وسياسيا، لا يمكن أن يفضي إلى استقرار مصر. وكل مراهنة على استتباب الأمن وعودة مصر لاستئناف مسار الديمواقراطية أو إعادة البناء ستظل مراهنة خاسرة. فالنظام العسكري عندما يسلك سلوك «عصابة» في اقتراف الجرائم وقتل المعارضين، ويذهب بعيدا في تكميم الأفواه وعزل تيار شعبي عريض مثل الأغلبية في خمسة انتخابات قريبة، ثم هو لا ينتج وضعا سياسيا محترما يحترم القيم الإنسانية والحريات، بل ينزع إلى العودة إلى انتاج نظام مستبد وفاسد ثار عليه المصريون بعدما اكتووا بناره عقودا طويلة، وحين لا يترك فسحة أمل للناس، لا للنجاة ولا لتوقع الأفضل في قابل الأيام، فمن المستحيل أن يحصل على استقرار أو تعاطف. مصر للأسف تنزلق رويدا رويدا نحو قعر هوة من الفراغ والفوضى واشتعال دورة الدم، ولن تقدم وصفة القمع والإقصاء الحل لاستقرار حكم العسكر، ودفع الإخوان للنزول تحت الأرض، يعني فسح المجال لكل فكرة متطرفة وكل رد فعل عنيف أن يصعد للسطح. والبيئة المصرية اليوم مهيأة بصورة مفزعة لتصعيد دورة الدم، قد يصمت الإخوان وقد يتوارون عن المشهد، بفعل الاعتقال، أو بفعل قرار ذاتي، وهم كما يؤكدون لن يحيدوا عن سلميتهم، إلا أن أحدا لا يمكنه أن يضبط الأداء في الشارع المصري، فالقيادات الإخوانية إما معتقلة أو ملاحقة، والبيئة السياسية مسمومة تنطفأ فيها فاعلية العقل والمنطق، وعنف مشاهد القتل والبطش لا تترك مساحة لتفكير عاقل، وروحية الثأر ورد الفعل الغرائزي تسيطر على الميدان، والمتربصون والراغبون في تصعيد دورة الدم مبثوثون في كل مكان. الغضب في مصر، بعد سلسلة الجرائم المتوالية والمتواصلة، بالقناطير، ومشروعية الرد على الجريمة في أعلى أعالي القمة، والعسكر لا يتركون أي منفذ للتنفيس من حدة الاحتفان، والسلاح مبذول على قارعة الطريق في سيناء وحدود ليبيا وفي الصعيد، وروحية الاستشهاد أخذت زخما غير مسبوق، وثمة من ينتظر الاشتعال ليصب الزيت على النار. كل التفاصيل متوافرة وحاضرة فقط نحن بانتظار الانفجار واشتعال الدم. العسكر أغبياء عندما يراهنون على القهر والقمع ويغلقون كل منافذ السياسة والاستيعاب، فهذة وصفة خراب أثبتت فشلها كل مرة، وهم لسوء حظهم جاؤوا في الزمن الغلط وبالبرنامج الغلط وفي الجغرافيا الغلط، فالشعوب بعدما ذاقت – بعد توق طويل- طعم الحرية يصعب إعادتها إلى القمقم، وإعادة إنتاج نظام ثار عليها الناس بسبب سوئه وظلمه وقهره، مهمة في غاية التعقيد، وبيئة مثل الواقع المصري تعاني ألف مشكلة ومشكلة، لا يمكن أن يكتب فيها النجاح لحكم يقوم على الإقصاء وتخليد الفساد والاستبداد، والعيش على حد السيف طوال الوقت مهمة مستحيلة. إن مصر تنزلق بفعل العسكر وافتقارهم للخيال السياسي، وبسبب من نزقهم ونزق من يمولهم ويحرضهم، بسلمية الإخوان أو بدونها، نحو مربع التوتر والتمزق، وبدون أداء سياسي احترافي اقتحامي وفتح نوافذ الأمل، الأمل باستئناف المسار الديموقراطي والأمل باحترام التعددية والقيم الإنسانية، فستجد مصر نفسها خلال أسابيع، قد دخلت دائرة الدم والهدم، في متوالية عنفية ستستغرق وقتا طويلا قبل أن يستبين الفرقاء سبيل الخروج. أرجح أن الإخوان سيكفون أيديهم وسيضغطون على أنصارهم لرفض العنف والتمسك بالسلمية، وربما يجوز أيضا المراهنة على جدوى هذا الخيار، ولكن استمرار الاعتقالات وتسميم الأجواء بالجرائم المتواصلة وفقدان الأمن والأمل للأفراد والجماعات، سيدفع إلى ارتدادات كبيرة، ومن المشكوك فيه أن يستطيع العسكر أو الإخوان، السيطرة على السنة اللهب المتطايرة في كل مكان، والمشهد السوري شاهد قريب على تدحرج كرة الثلج وتعاظمها وفشل الحلول الأمنية، مع كل الفوارق بين ما يجري في مصر وسوريا. الحرائق لا تحتاج لجهود خارقة، فقط عود ثقاب ونفوس غاضبة، وإذا كنت تحتاج لإتمام بناء لمئة رجل فإن هدمه لا يحتاج منك سوى لعشرة فقط. حمى الله المحروسة من جنون عسكرها، وتحريض مجانين في الأقليم لا يفكرون بعقولهم ولكن من بطونهم وغرائزهم.. مجانين لا يجنون على مصر وحدها، ولكن على أنفسهم أيضا، فالحرائق التي بدأت تعم الإقليم لا منجاة لأحد من تطاير شررها !!