ثورة الشعب في تونس ومصر قدمت لنا الكثير من الدروس والعبر، هذه بعضها، لمن أراد أن يتعلم ويعتبر: • أن الشعوب الحرة هي صاحبة الكلمة العليا، وأن الشباب هم أداة التغيير، والمحرك الأساسي للثورة ضد الظلم والطغيان، وهم الذين يصنعون آفاق المستقبل، أما المنافقين والمتنفعين فسرعان ما يتساقطون تحت أقدام الأحرار من شباب البلد وشاباته، ليكون مصيرهم إلى مزبلة التاريخ، وبئس المصير. • أن أنظمة التخلف والاستبداد لا تصمد أمام إرادة الشعوب، مهما تخفت وراء تحصيناتها الأمنية، ومهما اعتمدت على أجهزتها القمعية، أو ظنت أن أموال وإمكانات الشعوب المنهوبة، ستوفر لها ضمانات البقاء، أو تجنبها المحاسبة على ما اقترفت من جرائم ومظالم. • يخطئ الحاكم حين يعتقد أن تحالفاته الخارجية يمكن أن تنجيه بمواجهة ثورة الشعب وغضبه، فالخارج يبحث عن مصالحه، وهو يدرك جيداً أن الحاكم المرفوض من شعبه لا يحقق هذه المصالح، وهو رهان خاسر، يصبح من الحكمة التخلص منه، ومن المشاكل التي يتسبب بها. • أن أحزاب الحكم في ظل أنظمة كهذه، ليست سوى كيانات طفيلية هشة، لا تحمل أي فكر أو توجه، بل هي مجرد حاضنة عفنة للمنافقين والفاسدين، الذين تجمعهم مصالحهم الضيقة، وما تلبث أن تفرقهم رياح التغيير مع هبوب أولى نسائمها، فيهربون مذعورين كالفئران، ويتسابقون إلى إعلان براءتهم من هذه الأحزاب، ومن سياساتها وقاداتها. • أن حالة من الخوف والهلع تصيب هذه الأنظمة بمجرد خروج مظاهرة صغيرة إلى الشارع، لذا فهي تلجأ إلى التضييق على حرية التعبير، وإلى منع التظاهر، وتتذرع بقوانين تدعي أنها لتنظيم المظاهرات، بينما هي في واقع الأمر قوانين قمعية، الهدف منها تشديد القبضة على حريات المواطنين، وتكميم أفواههم، ومحاولة صد مشاعر الغضب الشعبية. • أن الشعوب مسالمة بطبيعتها، وحين يخرج المحتجون للتظاهر، أو للاعتصام، فهم لا يثيرون الشغب، ولا يتعدون على أملاك الغير، مهما بلغت درجة غضبهم واستيائهم، أما من يقوم بأعمال التكسير والضرب والإتلاف وغيرها، فهم عادة من العناصر المدسوسة أو "البلطجية"، التي تدفع بها الأنظمة، كي تتخذها ذريعة لقمع مثل هذه الاحتجاجات، بداعي تهديدها للسلم الاجتماعي!. • أن هذه الأنظمة هي أبعد ما تكون عن العمل المؤسسي، بل يتضح أنها ليست سوى عصابات، تعتمد في وجودها واستمراريتها على إثارة الفتن والمشاكل بين الناس، وعلى القاعدة الاستعمارية المعروفة "فرق تسد"، وهي لا تتردد في استخدام كل الوسائل في حال شعورها بالتهديد، ومهما بلغت درجة دناءة وانحطاط هذه الوسائل والأساليب. • أن التهديد بالفوضى، وإثارة مخاوف المواطنين من الاقتتال، هو ادعاء باطل لا يستند إلى أي أساس، وهو محاولة بائسة لإرهاب الناس وإخضاعهم لإرادة الحاكم، فحين تُرك الناس لتدبير شؤونهم بمحض إرادتهم، رأينا كيف سادت بينهم روح التعاون والمحبة، وزالت أسباب التمييز والتفرقة، التي يحاول الحاكم تكريسها وتغذيتها باستمرار. • أن الجيوش هي اليد الضاربة التي يحتمي بها الحكام المستبدون، ويستغلونها لتخويف وقمع مواطنيهم، لكن في اللحظات الحاسمة، لابد لهذه الجيوش أن تدرك المصير الذي يقودها إليه هؤلاء، وأن تعود للانحياز إلى خيارات الشعوب، فالجيش أولاً وأخيراً هو من الشعب وإليه. • شاهدنا كيف يتحول الزعيم الديكتاتور، إلى كائن ذليل وضعيف، بمجرد أن تدور عليه الدوائر، فبعد أن كان هو الآمر الناهي المتحكم بمصائر أبناء شعبه ومقدرات بلده، يصبح طريداً، يبحث بصعوبة عن مكان يأويه، وعن بلد يقبل استضافته. • أن بعض الأحزاب التي تقدم نفسها للناس بوصفها أحزاباً معارضة، هي في الحقيقة أحزاب خرجت من عباءة الحاكم، توهم الناس بأنها تتبنى همومهم ومشاكلهم، بينما دورها الفعلي يتلخص في تشتيت جهود المواطنين، وصرف اهتماماتهم نحو قضايا وخلافات فرعية لا جدوى منها. • أن الإعلام الرسمي مأمور ومتخلف، يظل حتى اللحظات الأخيرة يسبح بحمد الحاكم على حساب مصالح البلد والمواطنين، إلى أن ينكشف، ويؤدي إلى خسارة الكثير من العاملين فيه لمصداقيتهم، ولسمعتهم، لكن في ظل ثورة المعلومات والاتصالات، وبوجود إعلام حر ومتطور كقناة الجزيرة وغيرها، يصبح الإعلام الرسمي بلا قيمة أو تأثير، بل ومثاراً للسخرية والاحتقار. • أن الأموال التي ظل يكنزها الحاكم من قوت شعبه قد تصبح وبالاً عليه، فتلاحقها دعاوى التجميد والاسترداد القضائية، أو تتحول إلى سبب لتبادل الاتهامات بين هذا الحاكم وبين بقية رفاقه وأعوانه. نقطة أخيرة: دولة الظلم ساعة، ودولة العدل إلى قيام... الساعة.