ما بين اللعب بالنار واللعب بالوقت تكاد ترتسم ملامح المرحلة القادمة بكل تفاصيلها القاتمة، أو تعابيرها المبهجة. وحده رئيس الحرب الأهلية من يستطيع أن يحسمها أو يقررها ، رغم أنه يحاول جعلها كما يتمنى، لكن اللعبة لها قوانينها وظروفها التي لا تكتمل في ظل وجود خصم يفوّت الفرصة في أول طريقها للتشكل، ويجعل من الصعب الاستمرار في اللعب من قبل طرف واحد ... وهذا ما أبرزته المحاولات اليائسة من قبل علي صالح في كسب الرهان متنقلاً بين كل السبل التي كان يراها ممكنة ، متجاهلاً أن هذا الشعب الذي عمل هو جاهداً على تجهيله وتخويفه وإرهاقه بالمشاكل والأزمات قد يربح المعركة وبالذات أن الظروف زادته خبرة ودراية بألاعيب الرئيس وأصبح أكثر وعياً بمصالحه وصناعة مستقبله، وهاهو صالح يستدرجه إلى نطاقه مرة بالوعد ومرة بالوعيد، وأحياناً كثيرة بالمراوغة التي طالما عادت بالرئيس صالح إلى أول الاحتمالات، لكن المربعات الخطرة كانت مستبعدة من أن يصل الدور إليها حتى خلق صالح أجواءها وأشعل فتيلها و بعدها بات كل شيء متوقعاً بعد أن قفز علي صالح إلى الجحيم من خلال محاولته جر القبائل إلى دائرة الحوار بالنار بطريقة لا تكشف أكثر مما هو مكشوف من إفلاس هذا المتهالك. والغريب في الأمر أنه يفكر كيف يشعل النار لكنه لا يفكر كيف يطفئ نفسه وقد وقع حطباً تذكيها لعنات الشعب وقرارات المجتمع الدولي ومواقف المؤيدين له حتى تلك اللحظة.
أعتقد أن العب بالنار الذي كان يحذر منه الرئيس ليس إراقة الدماء بلا مبرر، بل هو النار ذاتها، وبرغم أن صالح يتجه إلى هذا الخيار بكامل قواه الكيدية والعسكرية والإعلامية ، إلا أنه لا يوظفها بذكاء كاف لصرف النظر والأصابع عن اتهامه بالانزلاق إلى هذا الخطر ، بل إن تبعات تهوره لا زالت تحاصره وتضعف خياراته ومبررات بقائه.
عندما حاول صالح اللعب بالوقت لم يكن يدرك أنه سيكسبه إلى مرحلة معينة فقط، ويتحول اللعب بعدها-بطريقة أخرى - إلى إضاعة للوقت من بين يديه فيخسر تلك المكاسب التي كانت ممكنة لولا أنه قرر بغبائه أن لا تكون. وفي كل هذه المراحل يخرج الشعب اليمني أكثر دربة وتمركزاً خلف حكمته وعقلانيته ، وإلا من كان يتوقع أن في كل منعطف خطر يقاد إليه الوطن لا تزال إمكانية التوقف عند الخطوط الحمراء قائمة، وأنه لا تزال هناك حواجز تمنع من السقوط في مستنقع الاحتراب، وما يدلل على هذا أكثر من أن يحصى ضمن فشل علي صالح في جر البلد إلى الحرب الأهلية.
من المؤكد أن صالح بذل قصارى جهده في تصوير شعبه بأقبح الصور وأهانه إلى درجة أصبح معها المواطن اليمني يستحي أن يظهر انتماءه لهذا البلد ، لكن الشهور المنصرمة عكست بجلاء كم أن هذا الشعب لا يشبه رئيسه، وبات المواطن اليمني يخجل من رئيسه وليس من وطنه، ولذا صار أول أهدافه لاستعادة كرامته إزاحة هذا الرجل الذي لا يعرف من السياسة غير المراوغة، ولا يعرف من البناء غير الاستقواء والتحصن، ولا من الديمقراطية غير الاستغلال، ولا من الوطنية غير الاستهلاك القذر تماماً مثلما كان القذافي ممثلاً سيئاً لشخصية المواطن الليبي، وظهر الليبيون بمواصفات كما لو أن الله أراد أن يدلل على الجمع بين التناقض الفج بين الحاكم والمحكوم في وطن واحد.
لقد جرب علي صالح وسيجرب أوراقاً كثيرة لا تؤدي إلا إلى قناعة مكتملة بأنه مزيج من السوء والحقد والمكر والغباء في الوقت نفسه، وبالتالي تتجلى حكمة الله في استدراج هذا الظالم إلى أسوأ النهايات من خلال رفضه كل ما كان سيمنحه الخروج بشرف.
من الضروري القول إن ما أظهره الشعب اليمني من وعي وحكمة وحذر ليس كافياً إن لم يتحمل مسؤولية التأثير في من تبقى مع صالح، وما يشكلونه من خطر يستخدمه في إرباك وإحراق البلد، وتحفيز ضمائرهم وتفكيرهم لكي يروا أنفسهم أكبر من أن يظلوا عصا صالح الغليظة التي يلوح بها في وجه شعبه، وإنما هم جزء من الإنسان اليمني بكل مميزاته ووطنيته وحكمته.