بددت توكل كرمان كل أحزاننا، أزالت كل ما علق بقلوينا من شجن ونحن نبكي شهداءنا ونفخر بهم في نفس الوقت. من أين أتت هذه النبيلة الكريمة، لتسدي إلينا كل هذا الفرح؟ من أين ورثت هذه العبقرية وهي تقدم روحها فداء للوطن حين جبن الجميع؟ من أين تنزلت لتحوطنا بكل هذه القدسية؟ شكرا لك يا توكل لأنك توكلت على إيمانك بالله وبهذا الشعب العظيم.. شكرا يا ابنة عبدالسلام لأنك قلدتنا جميعا وسام السلام... شكرا يا كرمان لأنك أكرمتنا إلى هذا الحد... اليوم يفخر اليمانيون بدخولهم عالم المجد والرفعة، يفخرون بإنجاب أرضهم لبلقيس الأولى والأبهى. لقد كتب أحد الأصدقاء مقالا تذمر فيه من استعداد أحدهم للموت فداء لتوكل، و اعتبره غوغائيا، ولم يكن يدري صديقي الكاتب أن ذلك الغوغائي كان أكثر بصيرة منا، كان يقرأ في تقاسيم الغيب أن هذه المرأة تخبئ لنا الأحلام في كمها الأسطوري وحجابها الملائكي. كان يدرك أنها تحمل في صوتها صرخات الملايين من المتعبين والمقهورين. آه يا توكل... كم أنا الآن مطمئن على أبي وصحته، أؤمن تماما أنك قدمت له دواء طالما انتظره،،
وكم حدثني عن أنك أنبل وأشجع من كل سياسيي المعارضة، كان يحدثني ولا يدري أنني مؤمن بك حد الكمال. حين سمعت خبر فوزك بجائزة نوبل سقطت الدموع من عيني... اتصلت مباشرة بصديقي عبدالفتاح زيد، فأقسم لي يمينا مغلظا أن هذه أسعد خبر في حياته.. لم يكن يبالغ، هو يعني ما يقول. هو أيضا أقسم قبل أشهر عديدة أنه إذا رزق ببنت فإنه سيسميها توكل. ملايين اليمنيين يا توكل أحبوك وتوسموا فيك خيرا فلم تخيبيهم، وقد قلت ذلك لصديقي عبدالحكيم الفقيه... قلت له هذه المناضلة تعرف ماذا تفعل، فلماذا يكثر البعض من انتقادها... أريد يا صديقي عبدالحكيم أن تقول لي الآن: ألست فرحا؟ ألست فخورا؟ ألم أخبرك أن توكل على موعد مع العظمة والمجد؟
صحيح لم أكن أتوقع نوبل ولكنني أؤمن بأن لها دورا عظيما في صناعة مستقبل اليمن، وبناء دولته المدنية. هذه هي توكل من أصغر الحاصلين على نوبل سنا، أزاحت عتاولة العالم وأكابره واختطفت راية السلام لأحفاد بلقيس واروى وذي يزن الحميري. بل ومنحت نوبل صفة المصداقية والعدالة والنزاهة.. فضل توكل شمل حتى نوبل نفسها.
ولعل ما أريد قوله هنا هو أن تكريم توكل لا يكون بالاحتفالات والاسترخاء على المقاعد، وإنما تكريمها الحقيقي برفع وتيرة التصعيد الثوري ودفع العملية الثورية إلى الأمام وبأساليب أكثر جدة وفعالية باتجاه الحسم واالانتصار الكامل. شكرا يا توكل أضأتنا للأبد... لن ننسى هذا النور النابع من ساعديك، ولا الأمل الناضح من عينيك، ولا العزيمة الصاعدة مكن حلقات صوتك، ولا الإيمان المتدفق من ثنايا حروفك. شكرا لك عدد ما نبض قلبك بحب اليمن... وعدد ما لهجت شفاه الأحرار بالثناء عليك... شكرا لك عدد ما هتف الثوار فداء لليمن، وعدد ما أن الجرحى في سبيل رفعة الوطن، وعدد ما أنشد الشعراء في حب الأوطان... شكرا لأنك في حنايانا مشكاة لا تزول وألق لا يخبو.. شكرا لأنك نهر عطاء وأرومة مجد وسنديان محبة...