حبل سري يمثل حلقة الوصل بين أي مغترب وبين موطنه الأصلي، اسمه الحنين لمسقط الرأس ومرتع الصبا، لكن العلاقة بين المغترب اليمني ووطنه اليمن أكبر من هذه الحالة العاطفية الجاذبة. فالأخير يعيش في وجدانه ودمه. ويضل هو رغم كل المسافات الزمنية والمكانية يعيش بكل أحاسيسه في مناخات وتضاريس بلاده. يسعد لرخاء وطنه. و يتألم ويتعذب لأزماته ومشاكله. وكلما رأى رغدا في بلاد الغير تأوه لحالة البؤس التي يعيشها بلاده. وسارع بكل إمكانياته ومدخراته وجهده للإسهام بصناعة التغيير في بلده. إن كان هناك شيء من الإنصاف والتقدير في ثقافتنا الوطنية فستكون شريحة المغتربين هي الأجدر بوقفة إجلال واحترام من كل الكوادر السياسية والاقتصادية والتعليمية والطبية والعسكرية والعمالية داخل هذا الوطن. بل سيفرد لهم عيدا سنوي للتكريم يسمى بيوم سفراء الوطن. وذلك ليس لأسباب معاناتهم خارج أسوار بلدهم فحسب ولا لما يقدمونه من رفد للاقتصاد الوطني يساهم بشكل مباشر وغير مباشر في التخفيف من حدة حالة الفقر والبؤس على المواطنين. ولا حتى لدعمهم أغلب المناشط الثقافية والاجتماعية والخيرية داخل البلد والتي يستفيد منها مئات الآلاف من الأسر. ولكن أيضا لحسهم الوطني العظيم وأدوارهم البطولية التي سجلها التاريخ لهم في كل الثورات الوطنية، حيث مثلوا أهم قوادح الثورات الوطنية المختلفة وسجلوا أعظم التضحيات لمادية والشخصية من اجل ازدهار وطنهم. واهم من ذلك تعففهم ونكران ذاتهم وعدم المتاجرة بتلك الجهود أو المن على الوطن عند نجاح الثورات. كما فعل ويفعل الغير. نحن اليوم بأمس الحاجة لامتلاك رؤية وطنية لقضايا هذه الشريحة الهامة، و مشروع نهضوي واستثماري لأدوار المغتربين، و في تقديري أن الثورة اليوم مناط بها إعادة الاعتبار لهذه الشريحة العظيمة كحق وطني لهم علينا وعلى بلدهم الذي ينتسبون إليه، ثم للدور الاقتصادي والاجتماعي والدبلوماسي الذي يقومون به، والذي يعد من وجهة نظري اكبر واهم من أدوارنا جميعا نحن كوادر الدولة كما تمثل عائداتهم أهم شريان للاقتصاد القومي واكبر سند وعون لكثير من الأسر اليمنية. إن الحجم الكبير لهذه الشريحة ودورهم المتميز يستدعي إشراكهم بفاعلية في الهم الوطني, ورعاية مصالحهم والحفاظ على ديمومة تحويلاتهم المتدفقة القادرة إذا ما أتيحت لها الفرصة والبيئة المناسبة على تحريك الاقتصاد الوطني ودفعه للخروج من أزماته المتلاحقة دون الحاجة لموائد مستديرة أو مربعة لا عالتنا وإقراضنا ومساعدتنا. نحن بحاجة لإجراءات سريعة تعمل على إنهاء حالة التهميش التي يعانون منها منذ فترة طويلة, وذلك الشعور بالدونية الملازم لجنسيتهم خاصة في الدول المجاورة الناتج عن الإهمال الفظيع من الحكومات المتعاقبة. والتي تسبب بتعرضهم وذويهم لإجراءات وتعسفات الغير في تلك الدول ومكن مواطني هذه الدول من التسيد والتأسد على أبنائنا المغتربين بممارسات تندى لها جبين الإنسانية وسط صمت مريب من وزارة خارجيتنا وتخاذل مخزٍ من سفاراتنا التي لم تدرك من واجباتها للأسف إلا آلية تشغيل قسم الأحوال الشخصية والجوازات ورسوم المصادقة على الوثائق. ليس إلا.. كما انه لابد من الوقوف أمام ظاهرة الاغتراب ونموها وجنوح الأكثرية للاغتراب الطويل بالشكل الحالي الذي يشبه النزوح والذي اضر بأسرهم وبمفاصل حياتنا الاجتماعية ككل، ودفع بالكثير حتى من أولئك الذين توفدهم الدولة للدراسة الجامعية والدراسات العليا لان يتحولوا إلى مغتربين دائمين، لنفقدهم بيننا ونفتقد أيضا إمكانياتهم وقدراتهم العلمية التي من اجلها ابتعثوا وصرف عليهم الملايين من قوت الشعب ،ليستفيد منهم بالمقابل بلاد الغير في الوقت الذي الوطن بأمس الحاجة إليهم والى إمكانياتهم. واظننا بحاجة ماسة للدراسات المعمقة لإيجاد الحلول العملية الخارجة عن مثل تلك المؤتمرات العقيمة التي أقامتها الحكومة قبل سنوات وانتهت محاورها بانتهاء تلك الفعاليات, من اجل تحقيق بيئة جاذبة وآمنة لاستثمارات أبنائنا المغتربين، فبدل أن نجتهد في استقطاب الاستثمارات الأجنبية التي نغدق عليها المنح والهبات والإغراءات التي تفوق الوصف, لتهرب بكنوزنا إلى بلادها دون أي إضافات حقيقية للاقتصاد الوطني , فلنضع التسهيلات والإغراءات لكثير من أبنائنا المستثمرين في الخارج وهم كثر. واغلبهم يفضلون أن يعودوا بها إلى بلادهم إلى الأهل والعزوة لكنهم يجدون الأبواب موصده أمامهم في كثير من الأحيان, ويتبخر في وجوههم كل ما يتردد عن تسهيلات لتشجيع الاستثمار فيعودون مكرهين للغربة. أعتقد أيضا إننا محتاجون لسياسة توعوية بين أوساط المجتمع بالدور الوطني الهام الذي يلعبه المغتربون في المناحي المختلفة من حياتنا وإنهم الأحق بالتعامل المثالي منا وأولادهم، وتقديم كافة التسهيلات لهم أثناء زيارتهم أوطانهم بدل النظر القاصر لهم بأنهم فيد عام لكل متحصل بداء بالجمارك وموظفي المؤسسات الأمنية والخدمية وانتهاء بسماسرة الأراضي والمسوقين ومقدمي الخدمات المختلفة. أخيرا دوماً كان المغتربون اليمنيون في الصف الأول للثورات الوطنية.. فليكونوا هم في هذه الثورة الشعبية العظيمة في الصف الأول من همومها وأولوياتها ليتحقق لهم ولنا الكرامة الوطنية كما أرادها الله وضحى من أجلها شهداؤنا العظام.