لست معنية ياسيدتي بالحديث عن صلاحية تطبيق الشريعة من عدمها، للسياسة أهلها وخبراؤها، إلا إن كان القصد الحفاظ على الوهج فببساطة شديدة يمكنك ذلك بعيدا عن المناطق المحظورة التي لا تلبث أن تحول الوهج إلى احتراق، المسائل الكبيرة ياتوكل لا تستوعبها أحلام العصافير رغم أنها تستطيع التحليق بعد مغارتها بيضها بأيام، امنحي حساسية الأمور سلاما يا حمامة السلام. أنا ضد النيل من نجاحك العريض لكني أشفق عليك من اقتحام الأسلاك الشائكة وبالذات أنها ليست من مخلفات علي صالح لتنقضي عليها بجموح سببه مجرد شعورك بالامتلاء والغرور. من يمتهن مغازلة الأضواء ياتوكل يبعث فيها نزعة التحدي والكبرياء، وقد يخرج باهتاً بسبب أخطاء في مزاولة هذه المهنة، اتركي ظلالك وارفة لا يأتي عليها الضوء باستمرار فتصفر لأنك لم تمنحيها فرصة للراحة، ربما لو قال بقناعتك مختص لن نختلف معه كثيرا لكن القفز فوق الأشياء يحرمك خاصية الإمعان والتأني. حاولي بالتفاتة صغيرة إلى الخلف حيث الفراغ الذي لا يحفل بالتصفيق أن تتسائلي عن شعور الصدى بالخيبة. هذا الفراغ كان مزدحما بالإعجاب والإعجاب لا يتواءم مطلقا مع المجاملة هذا إن لم يترك توكل تفيق من سكرة العظمة إلى حالة الارتباك وحاشاك من الجنون، لأن بينك وبين الجنون كما بين تكريم الإسلام لحواء وجائزة لا تسلم خيوطها من الشبهة والابتزاز، وهنا يجب أن تبني منطقة معزولة تحمي واجهتك من الخدوش أتدرين يا بنت اليمن لماذا كانت جائزتك محل احتفاء واهتمام شديدين؟ لأنك منحت الجائزة -ولو كحالة استثنائية- شهادة بسلامتها من التحيز. بناء على براءتك أنت من الهرولة في شراء ذمتها بالزحف على منظومة أخلاق تسمى الهوية، أزحت عنها سحب المؤامرة فأزيحي عنا ضوضاء التوجس والخيبة لا تمنحي تذاكر الضوء للغبار، ثمة فرق بين الثورة والفتوى وكل منهما لا تمتلك المساحة الكاملة ومحو ملامح الأخرى. هذا الزمن مخيف لا تنحازي فيه سوى لمبادئك فهي التي تعيش معك وتهب روعتك الخلود والألق. لست مع الذين يؤطرونك في خانة الريبة لأنك بنت البهاء ولا زلت وسفيرة الحقوق والسلم، وكل ما أفرزه نجاحك يدعو للدهشة ولا أملك حق تحذيرك من الغرور وأنا الذي مارسته حد الإدمان عندما باركت أنت نوبل السلام. إنما الغرور وحسب الذي يجعلك مزهوة تمسحين المرآة بتكرار ولا تكسرينها حاذري وأنت تطالعين هيئتك أن تكسري وعاء الزهر حين تتعثرين بخطواتك، استمتعي بإيقاعها دون إزعاج العابرين على ضفافها واجعلي ما وراءك آثار تثير ذهولهم لا أشلاء تثير حفيظتهم. لا أدعي أن حروفي إملاء عليك أنا الهارب من زمن الاملاءات إلى الانعتاق والتفرد بدون الإتيان على تفاصيل الأشياء، أدرك أنك سيدة اليمن الأولى وأن معايشتك للفوارق بين دوائر الحياة أخذت من حماسك الكثير لكن ليس كله، وأنها منحت تفكيرك الشباب قدرة إضافية وليست بديلة.
ياتوكل النافذة الأمامية للرؤية وليست للقفز أو التصادم مع الأشياء الجميلة، ذاكرتك المرهقة بطموحك وأحلامنا جميعا لا ترهقيها بالتوضيح دائما عن مدلول تصريحاتك التي تملأ المدى باحتمالاتها. وضميرك الإنساني المستوعب لكل آلام وطنك قد لا يستوعب آلام الرؤى التي تأوي إلى عالميتك فتصادرينها إلى حيز ضيق، أنت التي لا تؤمنين بالوصاية على هذا الوطن لا تتقلدي مفاتيح الوصاية على الشعب والشورى والديمقراطية ونظام المستقبل، الحياة يا بلقيس زمانك لا تسترخي فيها الأنفاس في ثورة وتنقبض في جائزة، الأشياء المختلفة لا تعالج بنفس المصل وليس كلها تحتاج لجراحة هذا إن سلمنا أن بعضها يحتاج للعلاج، الأغرب أنك تتعمدين أحيانا إلقاء الحجر في الوسط الذي يموج بالتسامح، ولا أعني بالطبع أنك تحاولين كسب رضى بعض التيارات التي لم تخف غيرتها من فوزك المفاجئ فأخذت تعبر عنها بالترصد لمسيرتك ونقدها بشدة وتنقص، ولن أسلبك حقك عندما أدعوك إلى التعاطي مع جائزتك بدون استحواذ وأنانية نحن الذين اعتبرناها ملكا عاما لأنك مثلت الإنسان اليمني ولأنها بمثابة فوز الوطن على أصابع التهمة الموجهة دائما بالإدانة.
استمري بروعتك ودعينا نحتفل بها معك في الأماكن المخصصة لذلك حتى يأتي وقت الأذان. ولكل حدث حديث وليس للحداثة اختزال الحل في قلب الطاولة على غيرها، ولو كان لها ذلك لكانت شرا محضا، هل علي كل مرة أن أعرج بالثناء على نجاحك في سياق إبداء رأيي تجاه ما تتناقله عنك وسائل الإعلام بكثير من الجدل؟
وهل أوجبت عليك الإيمان بقداسة ما أقول حتى أغازلك بمدائحي، أم أنه مجرد توفير بعض الجهد الذي نستغرقه في الدفاع عن حسن نيتك ونبلها، وقد قبض علي لمرات متلبسا بجريرة الدفاع المطلق والتفسير المتكلف لمواقفك على المحمل الناعم أحيانا؟