حاولت المملكة العربية السعودية على مضض السيطرة على أعصابها عندما انفجرت ثورات الربيع العربي، لكن تصرفاتها وأعمالها دلت على أنها كانت وماتزال أكثر الدول قلقاً من الغضب الشعبي العارم الذي اجتاح الكثير من الدول العربية، واقتلع خمسة من أكثر القادة العرب استبداداً وديكتاتورية. وبما أن السعودية من أكثر الدول العربية تكميماً للأفواه وتقييداً للحريات وانتهاكاً لحقوق الإنسان، فإن ملوكها وأمراءها عاشوا بلا شك أسوأ أيامهم ولياليهم وهم يتنصتون ويرصدون أي مؤشرات لانتقال موجة الحرية إلى شعبهم المغلوب على أمره.
لقد عملت السعودية كل ما بوسعها لإجهاض ثورات الربيع العربي وخروج الثوار بأقل المكاسب، وهي الدولة الوحيدة التي استضافت المخلوع بن علي وتدخلت في اليمن لإنقاذ صالح وتحويل الثورة إلى أزمة، كما تعمل في مصر من أجل تمكين فلول مبارك من العودة ثانية إلى الحكم.
تدخلت السعودية في المغرب والأردن وأعلنت عن ضم الدولتين إلى مجلس التعاون الخليجي في حركة استباقية هدفت للتخفيف من موجة الربيع العربي والحيلولة دون وصول هذه الموجة إلى ممالك الوطن العربي.
استمرت السعودية أيضاً في عدائها للحكومات الجديدة التي تمخضت عن الثورات، حيث غيّرت سياساتها بشكل جذري تجاه اليمن وتونس ومصر وهناك مؤشرات على توتر العلاقات بين الرئيس عبد ربه منصور هادي وبين حكام آل سعود بعد وقوفه في صف الثورة وثنائه على الثوار، إلى جانب مبادراته التغييرية الجادة، وإن كانت محدودة النطاق ومسيّجة بآلية المبادرة الخليجية الموكول إلى السعودية تعهدها.
تغيير السعودية لسياساتها تجاه اليمن يظهر جلياً من خلال ممارسة الضغوط الاقتصادية على الحكومة اليمنية عن طريق ترحيل عشرات الآلاف من العمال اليمنيين من المملكة، إضافة إلى استضافة الرئيس السابق وأعوانه من حين لآخر، وتأجيل زيارة الرئيس هادي إليها مراراً وقد كان من المقرر أن تتم في الأشهر المنصرمة.
ومما لا يخفى على أحد أن السعودية أنفقت مبالغ باهظة في حملات إعلامية منظمة هدفت إلى تشويه الحكومات الجديدة وعرقلة كل مساعيها لإحداث نهضة وتنمية. وقد عملت قناة العربية الممولة من المملكة بشكل مفضوح ومثير للاشمئزاز ضد ثورات الربيع العربي وحكوماتها.
كما لم يربأ ملوك السعودية بأنفسهم عن العمل كسماسرة لإبرام صفقات بين الرؤساء المخلوعين ودول وشخصيات إقليمية وعالمية، لا يستبعد أن تكون إسرائيل من بينها، من أجل التنسيق والتعاون لعرقلة هادي في اليمن ومرسي في مصر والمرزوقي في تونس.
ومع أن حربهم ضد الثورات تشن بحيطة وحذر لإدراكهم أن غضب الشعب السعودي قد ينفد يوماً ما، إلا أنهم لم يتمالكوا أنفسهم فور عزل الرئيس محمد مرسي وعبروا عن فرحتهم وابتهاجهم وكانت السعودية أول دولة في العالم هنأت الرئيس المعين من العسكر عدلي منصور، هذا على المستوى الظاهر أما في الخفاء، فالمؤشرات تدل على أنها بالتعاون مع الإمارات ودول أخرى خططت ومولت من أجل إحداث التغيير في مصر وتمكين العسكر.
إن التصرفات الرعناء التي يمارسها حكام السعودية ستزيد بدون أدنى شك من حالة السخط الشعبي ضدهم وستقود، لا محالة، إلى ربيع سعودي خاص يقتلع حكام آل سعود من جذورهم ويضع قواعد وأسساً متينة للحريات والديمقراطية والشفافية ومبادئ الحكم الدستوري والمواطنة والتنمية في أكبر دولة نفطية في العالم.