قوة أي حكم - كما يشير ابن خلدون في مقدمته- تعتمد على الاستبداد و القوة و العدل و الإنصاف. أغلب الأنظمة السياسية في العالم قديماً وحديثاً تطبق هذا السلوك تقريباً مهما قيل عن الظلم إنه سبيل الضعف والانهيار. و لكن الحاكم يمكنه أن يستمع لمعارضيه ويعالج الخلل في مملكته قبل أن يستفحل و يصبح داء لا يمكن علاجه. عندما نستمع إلى قصص التاريخ الإسلامي نجد أن مجلس الخليفة يفتتح بوجود السياف ليقطع رقبة أو رقبتين من المعارضين أو الخارجين عن القانون أو المفسدين أو الولاة الذين لهم أطماع انفصالية، أو الذين سرقوا من أموال الدولة، ثم بعدها تكون جلسة شعر، ويأتي للمجلس في بعض الأحيان علماء ليس من أجل الاستفادة من موائد السلطان بل لتقديم نصيحة ولا يخافون سطوة السلطان، يقدمون النصيحة بالحسنى أو في قالب تعنيفي، وتتفاوت ردود فعل السلطان، و حاول كثير من السلاطين شراء ذمم العلماء أو أصحاب الرأي الآخر بالمال لكن هذه النتيجة لم تأتِ بخير في جميع الأحوال، لذلك كان السلاطين يسارعون إلى إحداث تغييرات جوهرية وسريعة للسيطرة على الظلم وإنصاف المظلومين. استحدث اليمن هيئات و محاكم لمحاكمة الصحفيين والمعارضين بتهمة الإساءة للذات الرئاسية، وتفاوتت الأحكام بين السجن و منع الكتابة وغيرها من أنواع العقاب و التعزير، وهذه المحاكم نشيطة وتعمل بسرعة مثيرة للدهشة ويتم تنفيذ أحكامها بسرعة و بدون أي عوائق, وربما تحتاج دولة اليمن إلى ميزانية لبناء سجون خاصة بهؤلاء، وربما في مخطط الدولة فعل هذا على أن تكون بمواصفات خاصة و بعيدة عن أعين الرقباء أو أي تفتيش دولي قد يحدث مستقبلاً، وهي تقدم الرشوة لبعض المنظمات الدولية والدول التي نطلق عليها ديمقراطية مثل الدول الأوروبية، حيث إن حبس قطة أو أي حيوان بدون طعام في مكان غير ملائم صحياً قد يتم الحكم عليه كجريمة وتكون عاقبته الغرامة و السجن لمدة سنة أو أكثر . لكن هذه الدول الديمقراطية تغمض عينيها عما يحدث في اليمن مقابل امتيازات مادية أو عسكرية، وهذا مؤسف جدا . لكننا نسأل: من الذي يقوم بالإساءة لشخص الرئيس? هل هي الكتابات التي تدعو إلى قليل من العدل و المساواة و حقوق المواطن و تفضح الفساد و المفسدين، أم هؤلاء الذين يعيثون في الأرض فسادا وهم شلة الفساد من مسئولين ومتنفذين، يبنون في قصورهم سجونا مخيفة و مرعبة و يقتلون و يسرقون دون خوف أو ضمير؟ مثلما يفعل شاعر الرئيس الشيخ المنصور بأبناء جلدته، يشردهم و يقتل و ينهب الأراضي و يهدد بقصف القرى بالطائرات و لديه جنود وعساكر و محاكم أشبه بمحاكم التفتيش، هذا الشخص من أعطاه هذه القوة و هذه السلطة و من يحميه? هو من يستحق المحاكمة بتهمة الإساءة لشخص الرئيس و لكنه حر طليق وضيف دائم على القصر الجمهوري و كل وقت يزاد قسوة وعنفا . شخص و صديق عزيز مثل محمد المقالح، هذا الصحفي مختطف منذ فترة طويلة و لم تجد مئات المناشدات، و لم يقدم لمحاكمة مدنية، ولم يتمتع بأي حق من حقوقه كإنسان، ولا ندري كيف يعيش في معتقله وهل سيخرج سليماً أم مريضاً نفسياً أو ربما جثة هامدة? المنظمات الوطنية و الدولية لحقوق الإنسان لا تسارع بفعل شيء أو إنها تضيع الكثير من الوقت في المناشدات والتوسلات وهي -وخاصة المنظمات الوطنية- لا تملك ثقلا كبيرا في الشارع اليمني وعددها قليل جدا، أي المنظمات التي فعلا لها برامج و جهود صادقة, وهناك مئات من المنظمات والهيئات المزيفة والشكلية التي تعمل تحت إدارة المخابرات اليمنية وهي ملكية أكثر من الملك. وفي ذات مرة سمعت انه يوجد باليمن أكثر من ثمانية آلاف منظمة وهيئة ومؤسسة يمنية تندرج تحت ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني ولا أدري إن كان هذا الرقم صحيحا أم لا. وأتذكر ذات مرة كتبت العزيزة والصديقة و الأستاذة رؤوفة حسن عن هذا النوع من المنظمات التي لا تمتلك مقرات أو أنشطة وتجد بعضها العون والدعم الحكومي و الدولي . الفساد في اليمن أصبح وقحاً لدرجة غريبة جداً، فالسارق يقول أنا محمي، وبعضهم يفتخر بأساليب السرقة والاحتيال واختلاس المال العام ويقول علمنا كبيرنا وهي إشارة إلى شخص الرئيس شخصيا, هذه إساءة في حقك سيدي الرئيس، وعليك أن تصدر قوانين لمكافحة الفساد وإدراجها ضمن الإساءة لشخصكم الكريم حتى يتم البت بها في المحاكم النشطة والفعالة نفسها التي تحاكم إخواننا و أصدقاءنا اصطحاب الأقلام الوطنية الشريفة أمثال محمد المقالح وغيره مئات لا نعرفهم ولا نسمع عنهم في الكثير من الأحيان. سيدي الرئيس إن بقاء نظامكم مرهون بمدى قدرتكم وقوتكم في القضاء على الفساد. لكل نظام زلاته و بعض الأخطاء وأنتم بشر ولستم ملائكة ولا أنبياء، وإن كان لكم حرص على توريث الحكم لنجلكم فهذا أمر طبيعي وهو ممكن في بلد كاليمن و ليس مستحيلا، و هو أمر قد يتم التفاهم والنقاش حوله ولكن أي عرش سوف تورثونه بالضبط? كون الناس أصابهم الضيم والضر والضجر والمرض والإحباط من كثرة الصراخ و التظاهر أمام قصركم الرئاسي، مثلا ضحايا وزير الصحة و فضائحه الكبيرة، وضحايا الوزير اللوزي ووو , كم يمكننا أن نعد يا سيدي! إن استمرار هذا الحال يعني ثورة ليس في الجنوب فقط بل في كل محافظة و مديرية و قرية، فهل تدركون ما يدور في أرض الواقع? و هل تفهمون من هو الذي يدمر عرشكم الخالد ويشوه تاريخكم المجيد وإنجازاتكم الرائعة التي خلدتموها ووثقتموها في أكثر من أوبريت صرفتم عليه المليارات بينما هناك قرى معزولة لا تعرف الماء أو المدرسة أو أي نوع من أنواع الخدمات الضرورية، هناك الملاين يعيشون في عشش في تهامة وعدن والمحويت وريمة وغيرها من المحافظات. إخلال الحكومة وعدم تنفيذ برامجكم الانتخابية، ألا يعد هذا إساءة لشخصكم وسخرية من هذه البرامج? لماذا لا يتم محاسبة المقصر و تقديمه أمام هذه المحاكم الديناميكية النشطة? قادة الجيش يسرقون الأراضي و يستولون على الأخضر منها ويجعلون من الناس خدماً وعبيداً لهم، فهل القلم مرفوع عن هؤلاء يا سيدي?