يحضر التمديد كإجراء مثار جدل سياسي، من تمديد فترة ولاية مجلس النواب، إلى الحديث عن تمديد الولاية الرئاسية، ومؤتمر الحوار، والمرحلة الانتقالية، ذلك متعارف عليه في عالم السياسة.. لكن أن يكون التمديد لعمر طائرات عسكرية خارج الجاهزية، فذلك أمر لم يعرفه الرأي العام، كما ألِف سقوطها المتكرر في غضون الأعوام الماضية، حتى غدت هاجساً مؤرقاً لسكان المدن بعد تحطم ثلاث طائرات عسكرية في أحياء العاصمة في بضعة أشهر.
دأبت قيادة القوات الجوية السابقة والحالية، خلال الأعوام الماضية، على إصدار شهادات تمديد لطائرات عسكرية منتهية العمرة، أو لقطع وأجزاء ومحركات منتهية.. ذلك ما تكشفه وثيقة رسمية حصلت المصدر على صورة لها.
تفيد الوثيقة الصادرة مطلع العام الجاري عن المديرية الفنية والتسليح بقيادة القوات الجوية، والمعتمدة من قبل القائد، بإصدار شهادة تمديد لعمرة طائرة عسكرية تدريبية طراز ميج 21 بمقعدين، تحمل الرقم الجانبي 231، للعام 2013، وب100 ساعة طيران، بعد أن انتهى عمرها التقويمي فعلياً عام 2008.
طيار: التمديد إجراء غير قانوني ويعتبر مجازفة بحياة الطيارين والطيران عليها انتحار وقال طيار حربي رفيع الرتبة، إن التمديد لا يتسق مع قوانين الطيران المتعارف عليها دولياً، ويعتبر انتهاكاً للمعايير والوثائق الفنية للطائرات التي تحدد أجلها العملي والتقويمي، تبعاً لما يترتب عليها من مجازفة بحياة الطيارين، وربما المدنيين.
شهادة تمديد لا تستوفي شروطها ورغم أن الوثيقة، تستند في قرار التمديد إلى تقرير لجنة مكلفة رسمياً بالبحث عن الأعطال وتحديد الحالة الفنية للطائرة بهدف تحديد إمكانية تمديد عمرتها التقويمية المنتهية عام 2008، إلا أن الوثيقة لم تشر لرقم قرار تكليف اللجنة وتاريخه.
غير أن الشهادة المعدة كنموذج جاهز، تفيد بأنه وأثناء قيام اللجنة بالبحث عن الأعطال وتحديد الحالة الفنية للطائرة، وجدتها بجميع معداتها بحالة جيدة.
وأكد الطيار الحربي، الذي شدد على عدم الكشف عن اسمه، أنه لم تكن هناك لجنة أساساً لفحص الطائرة، دونما التزام حتى بالمحددات التي تقتضيها شهادة التمديد غير القانونية.
الطائرة 231 انتهت عمرتها عام 2008، وصدرت لها ثلاثة تمديدات وتنتظر الرابع تكشف الوثيقة أن الطائرة صنعت عام 1981، وأجريت لها آخر عمرة عام 1998، انتهت فترتها عام 2008، بمعنى أنها أصبحت بعد ذلك خارج الجاهزية نهائياً.
والتمديد، شهادة تصدر بالمخالفة للوثائق الفنية للطائرة، وتهدف لتحديد الجهة التي تتحمل مسؤولية الطيران بعد انتهاء عمرة الطائرة، وتلقي الشهادة بالمسؤولية على اللواء 90 طيران بالعند، وتشترط تنفيذ بنود صيانة للطائرة 200 ساعة.
وبعد صدور قرار التمديد، وتغيير القائد السابق للواء 90 طيران بالعند، وتعيين قائد جديد، ونائب فني ومدير أمن وسلامة طيران، ومهندس سرب في مايو الماضي، رفضت القيادة تحمل المسؤولية، ورفع تقرير بذلك، غير أن قيادة اللواء أعادت تشغيلها مجدداً في أغسطس الماضي.
وقال الطيار إن اللواء 90 هو الآخر يلقي بالمسؤولية على المديرية الفنية بقيادة القوات الجوية، وفي كل الأحوال فإن هذا الإجراء، على عدم قانونيته، شكلي ولا يوجد من يتحمل المسؤولية فعلياً.
أعطال جوهرية.. وثلاثة تمديدات قياسياً؛ يتوجب إعادة صيانة الطائرة، كل عشرة أعوام، لكن؛ ولأنها استنفذت العمر التقويمي (الافتراضي) لها والمحدد ب 30 عاماً من تاريخ دخولها الخدمة، فإن المصنع لن يقبل بإعادة تعميرها، وهو ما يدفع قيادة الجوية لإصدار شهادات التمديد، على ما يترتب عليها من مخاطر ومجازفة بحياة الطيارين.
لم يتم تشكيل لجنة لفحص أعطال الطائرة، وتمت الإفادة بأن حالتها جيدة يضيف الطيار بأن الطائرة خضعت لتنفيذ بنود الصيانة المحددة ب 200 ساعة، بدأت في نوفمبر 2012، قبل صدور التمديد، واستمرت حتى أغسطس 2013، تبعاً لحجم المشاكل المهولة التي وجدت فيها، وبينها تسريب وقود من أربعة خزانات، وطلقات كرسي القذف منتهية منذ 16 عاماً، وتهريب للهيدروليك، إضافة إلى أكثر من خمسة أعطال أخرى جوهرية.
والطائرة 231 صنعت عام 1981، ودخلت الخدمة في دولة أخرى بعدها بعام، وأجريت لها آخر عمرة مصنعية عام 1998، دخلت بعدها الخدمة في اليمن.
ومن حينه، أجريت للطائرة ثلاثة تمديدات، اثنان منهما في عهد القيادة السابقة للجوية، والثالث في عهد القيادة الجديدة، ووفقاً للمعلومات التي حصل عليها «المصدر أونلاين»، فإن هناك إجراءات قائمة لاستصدار تمديد رابع لها ابتداء من يناير 2014.
وأشار الطيار أن الوضع الأنسب بالنسبة لطائرة كهذه، وفي ظل ظروف البلاد الصعبة، هو صيانتها وتجهيزها (قتالياً)، ومن ثم تخزينها في ظروف خاصة ومعروفة كحال طائرات أخرى، لاستخدامها مستقبلاً للضرورة إذا كانت البلاد بحاجة ماس�'ة دفاعاً عن سيادتها، أما استخدامها للتدريب الروتيني فذلك يعتبر انتحاراً، حسب تعبيره.
معايير سلامة مبتكرة يهدف التمديد لتحديد المسؤولية عن الطيران وهناك تنصل من تحملها ونفت قيادة القوات الجوية الشهر الماضي، المزاعم التي تروجها بعض وسائل الإعلام بوجود طائرات خرجت عن الخدمة قبل سنوات، ووصفتها بالشائعات، ونشرت حينها صورة للطائرة 231، وقالت إن قائد الجوية راشد الجند نفذ بنفسه أكثر من طلعة جوية عليها، كدليل على جاهزيتها.
واستغرب الطيار، الترويج لمثل تلك الإجراءات، وكأن القيادة استحدثت نظاماً ومعياراً جديداً لجاهزية وصلاحية الطائرات، فحين تسقط الطائرة وتتحطم تكون خارج الجاهزية، مبيناً أن تنفيذ طلعة أو عشر أو مئة، لا يعتبر دليلاً على سلامتها، وهناك وثائق فنية خاصة بالطائرة هي من تحدد صلاحيتها.
وقال إن الطائرة؛ بعد انتهاء عمرها الافتراضي، تكون خارج ضمانة المصنع، وتصبح عرضة للأعطال المفاجئة، ما يعني أنها ستكون آيلة للسقوط والتحطم لا محالة.
غياب الثقة بمعايير السلامة تفجر خلافات الطيارين والقيادة وحول ذات الطائرة، تدور خلافات بين طيارين في العند، مع قيادة القاعدة، وقيادة القوات الجوية، وسبق ان احتجز مدير أمن وسلامة الطيران بالعند النقيب طيار طلال الشاوش، وزميله النقيب طيار صادق الطيب، على خلفية اعتراضهما على جاهزيتها.
وطفت على السطح خلافات الطيارين مع قيادة الجوية بعد تحطم طائرة مماثلة في 15 اكتوبر 2012، على بعد 500 متر من مدرج العند، ومقتل المدرب عقيد طيار عتيق الأكحلي ونجاة المتدرب ملازم أول صدقي مغلس المراني.
وكان لإجراءات التحقيق في الحادثة أثراً كبيراً في زعزعة ثقة الطيارين بمعايير السلامة، إذ لم تُعتمد منهجية التحقيق المتبعة في حوادث الطيران، كما لم تؤخذ أقوال الطيار الناجي، رغم أن حالته الصحية تسمح بذلك، فضلاً عن الافادة بتلف الصندوق الاسود بعد أن تركت الطائرة تحترق حد الانصهار، في ظل غياب تام لأدوات الإطفاء.
وأبلغ الطيار الناجي زملاءه، بأن اندفاع الطائرة تضاءل وهي في مرحلة التسارع، تمهيداً للإقلاع، فيما انقطع الاتصال مع المدرب ومع البرج، وتصلبت عصا القيادة، كما أنه حاول مراراً سحب قبضات الكرسي التي تفجر طلقات تقذف بالطيار على كرسيه للنجاة بنفسه، لكنها لم تعمل.
وتحطمت خلال الفترة من منتصف أكتوبر 2012 إلى أغسطس 2013، خمس طائرات، الأولى تلك التي سقطت في العند، فيما سقطت وسط صنعاء طائرة انتينوف في الحصبة، مودية بحياة طاقمها العشرة.. بعدها تحطمت طائرتا سوخواي، الأولى في فبراير الماضي في حي الزراعة، وأودت بحياة أكثر من عشرة مدنيين إضافة إلى الطيار محمد شاكر، والأخرى في شارع الخمسين وقتل فيها الطيار هاني الأغبري.
المرصد اليمني يتضامن مع الطيارين ويطالب بانصافهم وضمان سلامتهم وتحطمت مروحية عسكرية في وادي عبيدة بمأرب في أغسطس الماضي، بعد أن أطلق مسلحون النار عليها وقتل فيها قائد اللواء 107 مشاة العميد حسين مشعبة وعدد من مرافقيه، بحسب.
المرصد اليمني يتضامن مع الطيارين ومنتصف الشهر الجاري خاطب المرصد اليمني لحقوق الإنسان رئيس هيئة الأركان العامة اللواء الركن أحمد الأشول حول الانتهاكات التي يتعرض لها طيارو العند، والتي شملت صدور قرارات بتحويلهما إلى موظفين إداريين، وتوقيف رواتبهما ومستحقاتهما المالية، فضلاً عن توقيف رواتب طيارين آخرين لذات السبب.
وأعرب المرصد، عن كامل تضامنه مع الطيارين المنتسبين إلى اللواء 90 في قاعدة العند ضد كافة الانتهاكات التي يتعرضون لها وتطال أبسط حقوقهم، مطالباً الأشول باتخاذ كافة الإجراءات القانونية التي تكفل إنصاف الطيارين واستعادتهم لحقوقهم، مع اتخاذ ما يلزم من إجراءات بخصوص الاختلالات الموجودة في القاعدة الجوية بالعند، وبما يضمن الالتزام بشروط أمن وسلامة الطيران، والمحافظة على سلامة الطيارين من أية أخطار قد يتعرضوا لها عند تنفيذهم لمهامهم التدريبية.