ليس غريباً أن يستميت الحوثيون وحلفاؤهم في مؤتمر علي صالح على وصف تحشداتهم المسلحة حول صنعاء وفي شارع المطار بأنها أعمال سلمية مشروعة.. فلكل طرف من التحالف غرض معين؛ فأتباع علي صالح يريدون رد اللطمة التي لحقت بهم في الثورة الشعبية التي اعتمدت على اعتصامات سلمية لكنها أسقطت رأس النظام وجعلته "رئيس سابق".. والحوثيون من جهتهم يريدون التستر وراء جاذبية شعار السلمية ظناً منهم أنهم يستطيعون إخفاء تاريخهم الدموي القريب، وممارسات العنف والاضطهاد المذهبي والسياسي الذي يمارسونه تجاه خصومهم.. ويلفتون الأنظار عن عدد لا يحصى من الصور والأفلام التي يبثونها لسلّتهم الثقيلة: دبابات ومصفحات ومدافع ميدان لتخويف الشعب! يحتاج الحوثيون إلى معجزة لإقناع اليمنيين والعالم بأنهم سلميون، وهي معجزة لا تقل في استحالتها عن تلك التي يحتاج إليها المخلوع لإقناع بسطاء الناس؛ فضلاً عن الأسوياء، بأنه يقود حملة ضد الفساد والفشل والمناطقية، والشحن الطائفي والمذهبي، وتحزيب الوظيفة العامة وإقصاء الكوادر الوطنية.. وكما هو واضح فكلها كانت أجندة حكمه، والثوابت والأساليب التي استخدمها لتثبيت سلطته، وتفكيك عُرى الدولة والثورة والوحدة والديمقراطية وتجريدها من مضامينها الحقيقية لمصلحة مشروع توريث الولد! من المستحيل أن يصدق عاقل أن الحوثيين أصحاب مشروع سلمي (إلا مع أمريكا وإسرائيل بالطبع).. ومقارنة البعض لاعتصاماتهم المسلحة حول صنعاء وداخلها بالثورة الشعبية السلمية ضد علي صالح فيه مخاتلة كبيرة ودهاء يهود معتّق في خلط الأوراق؛ كما نراه في إصرار الكيان الصهيوني على تقديم نفسه بأنه ضحية الصواريخ الفلسطينية المجرمة التي تهدد سلام الصهاينة، وفي المقابل يصف عدوانه على غزة والضفة بأنه دفاع مشروع عن النفس في مواجهة الإرهابيين الفلسطينيين! وقريباً (واستفادة من تجربة الحوثيين والمخلوع) سيقولون إن حربهم على غزة كانت حرباً سلمية مثل.. ثورات الربيع العربي.. وربما جازفوا باتهام المقاومة بأنها تكفيرية داعشية! لا تحتاج الثورة الشعبية الشبابية ضد المخلوع علي صالح إلى من يشوّه صورتها بمقارنتها مع مشروع عنصري مذهبي (بدأ رموز حوثيون يتبرأون منها ويصفونها: ما تسمى بثورة الربيع العربي.. ويشنون عليها حملات أكاذيب وتشكيكات على منوال ما كان عبده الجندي يقوله في مؤتمراته الصحفية سيئة السمعة، ويتهمون قطر بأنها وراء كل المصائب!) فقد كانت ثورة شعبية حقيقية ضمت كل الفعاليات السياسية المعارضة؛ وتلك المستقلة والمنشقة التي انضمت إليها؛ على اختلاف مشاربها السياسية والفكرية، ولم تكن قاصرة على طرف سياسي ومذهبي واحد، ولم تكن عملاً انتهازياً مفضوحاً كما حادث اليوم لا في التحالفات ولا في الأهداف.. وحتى شعاراتها كانت متنوعة وتعكس الطيف المتنوع للجميع، ولم يكن هدفها مجرد تحقيق مصلحة حزبية وسياسية محدودة؛ بل كان الهدف أكبر وأشمل وهو تصحيح مسار الثورة اليمنية، وإعادة الاعتبار لأهدافها، وبناء وطن العدل والمساواة والحرية للجميع.. وهي توسّلت السلمية بالفعل مقابل هرولة النظام السابق إلى استخدام العنف والقوة المفرطة معها منذ اللحظة الأولى.. وحتى الاعتصام في الساحات لم يكن سابقة فقد عملها النظام السابق بغباء عندما بسط سيطرته على أكثر ميادين العاصمة استراتيجية قبل بدء شرارة الثورة ضده وأباح بذلك لمن يشاء أن يصنع مثله فالعين بالعين والبادىء أظلم!
**** الثورة الشعبية ضد نظام علي صالح المتسلط والخائن لمبادئ الثورة اليمنية؛ وخاصة هدف التخلص من الحكم الإمامي الوراثي؛ قام بها قطاعات من كل أبناء الشعب المتضررين من سياساته في كل المجالات، ولم يُعرف لهم أجندة مذهبية وطائفية سرية تتوسل العنف والقتل، وتتمترس وراء الأسلحة الثقيلة من كل نوع باستثناء الطائرات؛ لتحقيق أهدافها كما هو الحال عند الحوثيين الذين كانوا وما يزالون أصحاب مشروع طائفي مجنون عل استعداد لتدمير اليمن وقتل اليمنيين لتقيق أهدافه! وبالأمس كنت أعدّ أفكاراً لمقال رداً على ما كتبه الكاتب اللبناني خير الله خير الله (أحد أبواق المخلوع العرب!)، وكان لا بد أن أعود لأرشيف مقالاته في موقع 26 سبتمبر للتأكد من بعض المعلومات.. وخلال البحث وجدت مقالتين للأخ زيد الذاري أحد أشد المشايعين للحوثيين (إن لم يكن في قلب المشروع) كتبهما في يوليو2007 تفنيداً لبعض أطروحات الحوثيين وتبرئة لنظام صالح.. والحق أن المضامين كانت مفاجأة مقارنة بما كتبه بعد زوال حكم صالح ترويجاً لمظلومية الهاشميين، ودعاوى تهميشهم وإقصائهم من إدارة الدولة، والحرب على المذهب الزيدي التي شنت عليه منذ ثورة سبتمبر وحتى الآن لإحلال مذاهب أخرى بدلاً منه.. ولأنها مفارقة مسلية تفضح حقيقة المشروع الحوثي الإجرامي وشذوذه من داخل البيت؛ فسأدعوكم لقراءة بعض هذه الفقرات التي يمكن وضعها تحت عنوان "وشهد شاهد من أهلها!": "وبالوصول إلى موقف الزيدية كمذهب وعلمائه البارزين من فتنة الحوثي فإن الواقع - وهذا ما يسجله التاريخ- يقول إن أول من تنبه إلى خطورة تلك الأفكار ونبه إلى ضلالتها هم علماء الزيدية حينما أصدروا بياناً فندوا فيه أباطيل فكر ودعوة حسين الحوثي وحذروا من عواقبها الوخيمة وأعلنوا البراءة منها، وقد نشر ذلك البيان باسم علماء الزيدية وعلى صدر صحيفة الثورة الرسمية وتعمدوا أن ينسبوه - مضطرين- إلى علماء الزيدية لا تكريساً ولا تأسيساً لحالة مذهبية أو فئوية وطائفية منغلقة ولكن لإدراكهم لخطورة ما يمكن أن يترتب على فكر الحوثي وعمله من التصاق في أذهان الناس من أنه يمثل الزيدية ويعبر عن نهجها وينطلق من شرعيتها، ولإبراز وإيضاح عمق تمايزهم عنه وتبين مدى شذوذه وتناقضه مع الزيدية الحقة. وأما ذلك البيان الذي سبق أو صاحب بداية الحرب الأخيرة باسم علماء الزيدية بما تضمنه من مطالب غريبة ومستهجنة لا تمت إلى تفكير الزيدية ورؤيتهم وثقافتهم ولا تعبر عن قناعتهم. فلا يعدو عن كونه بياناً مدسوساً ومشبوهاً، وقد رأينا كيف بادر علماء الزيدية إلى توضيح موقفهم منه وإزالة الالتباس الذي حصل بإنكار موافقتهم على مضمونة ولا شك أن ذلك البيان بنَفَسه المذهبي والطائفي والدخيل قد سبّب صدمة وأثار الفزع من مضمونه ومراميه الخبيثة لدى جميع الزيود والهاشميين قبل غيرهم من بقية أهلهم في وطننا الحبيب ممن استفزهم وأثارهم - وهم على حق- كونه جاء جارحاً لوعينا الجمعي السوي ومناقضاً لكل ما تراكم فينا من التسامح وحس التعايش. وبالتعريج على موقف بقية أبناء الزيدية وقناعاتهم وخياراتهم فإنها تتطابق مع مواقف علمائها التي سبق استعراضها.. ألم يكن رجال القبائل وزعماؤها من أبناء حاشد وبكيل وحمير وعنس والحدا وآنس هم الذين دافعوا عن الثورة والجمهورية وكانوا حماتها كتفاً بكتف ويداً بيد مع بقية أبناء وطنهم من المنتمين إلى المناطق والمذاهب غير الزيدية؟ أو ليس رجالاتها ومشائخها كانوا ضحايا حكم الاستبداد الملكي في عهد آل حميد الدين وسقط منهم الشهداء سواءً بسواء مع إخوانهم من بقية الفئات الأخرى؟ أليست قبائل صعدة التي شاركت إلى جانب قوات الدولة في مواجهة جماعة الحوثي قبائل زيدية ومن نفس البيئة الزيدية ومعقلها فكيف يستقيم الادعاء بأن حركة الحوثي حركة زيدية فمن تصدى لهم هم الزيود علماء ومشائخ هاشميون وقبائل مدنيون وعسكريون هذا هو موقف الزيدية فكراً وبيئة وعلماء ومشائخ وأفراداً..".
قضايا حرجة وأسئلة محرمة: "من أخطر تداعيات الفتنة وأخبث ما صاحبها هو تلك الشعارات الكاذبة والادعاءات الباطلة والتحريض المريض والثقافة المستوردة والمستجلبة إلى ساحة وجودنا في اليمن وحاضرنا فيه لتصوير مجريات الفتنة على أنها صراع وحرب ذات طابع مذهبي وسلالي، وأن الدولة في مواجهتها لأعمال الفتنة في صعدة تستهدف استئصال الزيدية وإبادة الهاشمية، وبالمقابل فإن حركة الحوثي وفتنته وأعماله هي نتاج مشروع زيدي ومؤامرة هاشمية ضد النظام والمجتمع اليمني، خطط له وأجمع عليه كل الزيود وجميع الهاشميين فأين الحقيقة من هذا كله؟ وهل كان في الأحداث وجوهرها مصداق لهذه الادعاءات وهذه التعميمات ما يؤكد وجود مثل هذه الدعاوى كتوجهات أم أن الوقائع والشواهد تدفع بزيفها وبطلانها؟ هذا ما أنا بصدد مناقشته وإمعان النظر فيه، فبالنسبة للادعاء الأول من أن الحرب هي استهداف للزيدية والهاشمية؛ وبإمعان النظر وتغليب الفكر فإننا سنكتشف هشاشة مثل هذه الدعاوى وبطلانها من خلال التتبع لسياق الأحداث والغوص بحثاً عن أهداف مروجيها.
إذا لماذا رفع ذلك الشعار وتلك الادعاءات، أقول وبكل بساطة يجب علينا أن ندرك أن منطق الأشياء يقول: أيما جماعة أو أفراد يستهدفون القيام بفعل مشبوه أو يهدفون إلى إشعال فتنة ما تحركهم نوازعهم المريضة وأطماعهم الخسيسة ويرتضون أن يستأجروا لمصالح خارجية يدركون سلفاً هم ومن وراؤهم حقيقة عزلتهم عن بيئتهم وغربتهم عن واقعهم فيلجأون إلى محاولة اختطاف أبناء المذهب أو الجماعة أو المنطقة أو الفئة التي يرتبطون بها بأي من الوشائج أو الصلات بهدف توسيع قاعدة مناصريهم وتوسيع ساحة فتنتهم وطلبا لأوسع حماية وأكبر احتضان، ولأن اقتناعهم بحقيقة أنفسهم وشذوذ فعلهم وانحراف فكرهم يمنعهم عن أن يعبروا عن هذا الشذوذ وذلك الانحراف ويدركون أنهم لو أفصحوا لافتضحوا وحصروا ونُبذوا، وهذا هو أحد أسباب رفع ذلك الشعار الكاذب والمخادع، كما أن رفعه أيضاً يأتي في سياق المخطط اليائس لتعميم الفوضى وتشتيت ساحة المواجهة وشل قدرة الدولة وهو ما ينسجم مع إرادة من يقف وراءهم من أصحاب الأطماع. مدفوعين بأحقاد شخصية وثارات انتقامية أو تصفية لحسابات قديمة مع اليمن ونظامها أو لإيذاء بعض جيرانها الأقربين أو المساومة مع أصدقائها الأبعدين.
وما ينطبق على دعوى استهداف الزيدية ينطبق على مقولة استئصال الهاشميين، وهل بالإمكان أن ينطلي هذا القول على عاقل؛ إذ كيف يمكن لنا أن نتصور إمكانية إبادة بضعة ملايين من الهاشميين في اليمن، إذاً لكانت المواجهة قد شملت هذه الملايين وعلى امتداد انتشارهم السكاني في الساحة اليمنية وبما لهم من علاقات مصاهرة ونسب ومصالح متشابكة مع جميع أبناء وطنهم الذين سيأبون بحكم قيمهم وأخلاقهم وأعرافهم مثل هذا الفعل".