على غير عادة الحوثيين في حروبهم المتواصلة لم يطالبوا هذه المرة – مع احتشادهم المسلح داخل صنعاء وخارجها- بإقالة المحافظ والقيادات العسكرية والأمنية في أمانة العاصمة، ولا جعلوا منها سبباً لكل هذه الفتنة المسلحة التي تهدد بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر؛ على غرار ما يفعلون في الجوف ومأرب، وما فعلوه سابقاً في عمران وروّجوا له مبررين جرائمهم بأن المحافظ الإصلاحي هو سبب كل المشاكل! وهو ما يؤكد أن مطالبهم القديمة كانت مجرد تكتيك ماكر أعجب قوى انتهازية عديدة، ودفعها للتعاطف مع الحوثيين، وتأييد تلك المطالب/ الشروط المهينة للدولة على أساس: محافظ يفوت ولا أحد يموت! اليوم تأكد في العاصمة أن المشكلة ليست في محافظ إصلاحي ولا قائد عسكري يستفزان التاريخ الطويل للأئمة، ويهددان مزاعم التسامح المذهبي والتعايش بين المذاهب، ويعرقلان تقدم كتائبهم للعودة إلى الأصل الذي كان.. ولكن الذئب يجيد ابتكار أعذار لغزواته وحروبه مستغلاً تفاهة الانتهازيين وسوء تقديرهم للأمور، وتغلبيهم مبدأ: - حذاء الحوثي ولا شعبية الإصلاح! عن: خير الله خير الله! لأنه فيروس من نوعيه أنفلونزا الخنازير؛ فقد انتقل الإيمان بسلامة المشروع الحوثي - من ثم جواز تحالف المخلوع علي صالح وأتباعه معه- حتى إلى الأبواق المستأجرة من الخارج.. وبالتحديد نقصد الكاتب اللبناني خير الله خير الله (كان أحد الصحفيين غير اليمنيين في صنعاء يسميه: هبر الله.. هبر الله!).. وهو أحد الأقلام العربية التي عملت بوقاً لتلميع النظام السابق ورئيسه، وسياساته الداخلية والخارجية من خلال مقال أسبوعي كان يكتبه في صحيفة "26 سبتمبر".. والجزاء لم يكن الجنة بل دولارات كان يأخذها "هبر الله" من خزينة الشعب اليمني مقابل شهادة زور عن عظمة علي صالح وحكمته، ونجاح سياساته الخارجية وجولاته العالمية، حتى أنه خصص عام 2006 مقالاً خاصاً عن مسرحية تراجع علي صالح عن قرار عدم الترشح في الانتخابات الرئاسية نزولاً على رغبة ملايين (!) اليمنيين في الشوارع (مع أن صالح يومها قال إنه تراجع بعد أن رأى التتار يتآمرون على البنك المركزي!.. واليوم عرفنا السبب: الخبير كان خايف على الخمسمائة مليون التي قال إن المؤتمر حصل عليها من دول شقيقة ووضعها في البنك!).
من خلال تصفح إرشيف خير الله هبر الله في موقع "سبتمبر نت" خلال السنوات السبع الماضية؛ يتبين حقيقة المهمة التي كان يقوم بها الرجل في خدمة نظام علي صالح؛ فهو يصف المعارضين لنظام صالح بأنهم جهلة، ومغرضون، وحاقدون.. أما الحوثيون فقد كانوا عنده في تلك الأيام: نتاج فكر متخلف، يقاتلون الجيش اليمني لإعادة الإمامة، والشعار يكمن تحته دولارات خضراء إيرانية المصدر صارت حلالاً كما حدث مع الدولارات التي حصل عليها حسن نصر الله في لبنان! ما يهمنا موقفه من الأزمة الأخيرة في مواجهة الحوثيين؛ ففي مقال له نهاية أغسطس الماضي في صحيفة "العرب" اللندنية؛ أكد أن هدف الحوثيين الدخول في الحكومة اليمنية، وإثبات أنهم (أي إيران) صارت جزءاً لا يتجزأ من تركيبة السلطة في اليمن، وفي سبيل تحقيق ذلك يستخدمون الدهاء الإيراني ونفس تكتيكات حزب الله! ولكي لا يقال: وماذا يزعجكم من تصريحاته ضد الحوثيين؟ نقول: لا انزعاج ولا صرخة.. لكن من الواضح أن الرجل لم يكن نهاية أغسطس في صورة التحالفات على الأرض بين كتائب الحسين وكتائب يزيد عبد الله صالح، ولا أن أتباع الأخير يخوضون كربلاء جديدة مع الحوثيين ومن ورائهم إيران وحسن نصر الله والدولارات الخضراء على ذمة خير الله في مقاله المذكور! والدليل على ذلك أن "خير الله هبر الله" غير - خلال أيام- موقفه المندد بالمشروع الحوثي المتأفف من الدعم الإيراني له بالدولارات الخضراء، فكتب مقالاً قبل أيام يتحدث فيه عن الحوثيين باحترام كبير وتقدير واضح.. وعن نجاحهم في شل الحياة في صنعاء (!) وفي الأخير يقرر بواقعية يحسده عليها عبده الجندي والمتوكل: أنه لا مفر من مفاوضات لتقاسم السلطة مع الحوثيين.. وتوسيع نطاق الإقليم الذي يطالبون به! وهو ما يؤكد أن الوحي الذي كان ينزل على مسيلمة الكذاب نزل هذه المرة على خير الله وهو في أوروبا أو لبنان، وأوحى له بأن مطالب الحوثيين حق، ولا بد من الاستجابة لها رغم أنف المشروع الإيراني ودولارات حسن نصر التي طالما تأفف منها.. وأيضاً رغم أنف المقال الذي كتبته! بسهولة يمكن تفسير الانقلاب في موقف هبر الله من الحوثيين؛ من التنديد والتخويف منهم ووصفهم بأنهم حصان طروادة الإيراني؛ بالنظر لظاهرة الإيمان التي هطلت على جماعة الرئيس علي صالح بالمشروع الحوثي إلى درجة الاصطفاف معه في الاعتصام.. فقد جاءه الوحي؛ بعد انقطاع طويل كما يبدو من جهله بما يجري بين المخلوع والإمام؛ أن المشروع الحوثي ليس سيئاً ولا إيرانياً.. وحتى لو كان كذلك فإن دولاراته الخضراء صارت حلالاً بالطريقة نفسها التي سخر بها خير الله من حسن نصر الله! هل لاحظتم مستوى الإيمان الفائض الذي طرأ على الرجل.. حتى تجاوز أركان الإيمان الحوثي الذي يطالب فقط بحكومة جديدة لا يشارك فيها، وإلغاء الجرعة، وتنفيذ مخرجات الحوار، وهذا بلغت به التقوى إلى درجة المطالبة بتقاسم السلطة معه! من يفسر استمرار بعض الطيبين في محاولة تبرئة علي صالح من التحالف مع الحوثة بعد كل ما يراه العميان.. وحتى وصل الإيمان بالمشروع الحوثي إلى خارج أرض الوطن؟