الملاحظ للخريطة الوزارية لحكومة خالد محفوظ بحاح التي نشرها مؤخراً على صفحته في الفيس بوك, أنها اعتمدت بياناً عياناً قاعدة "المحاصصة والتقاسم" الذي "طبع" خارطة السلطة في اليمن, من بعد 2011، وإن كانت القسمة هذه المرة على أربعة وليست على اثنين. الخريطة ذاتها أكدت إقصاء أكبر وأهم تجمع أصيل لليمانيين أو ما يناديه السياسيون ب "الشعب اليمني العظيم"! لكن, قبل أن نستطرد في ذلك, تعالوا نتخيل أنفسنا في موقف بحاح: ما هي الفرص التي أمامة؟ وما هي التحديات؟ ما هي نقاط الضعف التي لديه؟ وما هي نقاط القوة؟ أهم فرصة أن الأرضية, الآن, مهيئة له للقيادة الحقيقية, وأن يعرض رؤيته الإصلاحية الإدارية والاقتصادية بسقفيهما الأعلى, كيف لا! والمشهد الآن مهيأ للأبطال والمبادرين والقادة المؤثرين, بوجود غطاء من الاحتياج الشعبي لقائد فذ يفرض شخصية الدولة وحق الشعب بقوة. وكذا احتياج المجتمع الإقليمي والدولي ل "يمن مستقر"!
وحتى التحديات التي يواجهها, تحمل في طياتها الفرص. " الأيدي الخفية" داخلياً وخارجياً التي حتماً ستحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تحاربه وتضعفة وتفشله, من وراء الستار، لأجل مصالحها الشخصية, لكنها ستكون فرصة أن يقوم بتعريتها وكشفها, والتخلص من شرها إلى غير رجعة. أن يستغل "حالة الحراك الثوري" التي ستمكنه - لو أحسن استغلالها وتوجيه بوصلتها الوجهة الحقيقية- من "قطع" تلك "الأيادي", وليس كما كان يحدث سابقاً "الشكوى والصبر", وكذلك سينتهي التحديان الأمني والمالي اللذان تتلاعب بهما "الخفية".
أما أكبر نقطة ضعف في حكومته فهي ما يظنها - ظاهراً- ضمانة حكومته, الا وهي تلك "المحاصصة والتقاسم" الذي برز لنا - نحن اليمانين المستقلين- بشكلٍ فج. وهي احتفظت بكل القوى التي "تدين" للخارج الذي لم يعد خافياً, بالنسبة للأحزاب التي بدأت أساساً فروعاً لأصل من خارج اليمن (الاشتراكي, البعث, الناصري) أو تلك التي ما زالت تحمل للخارج " جميلاً" و"نعماً" وأموالاً ودعماً أو تغازل الخارج بأنها ستحفظ مصالحه, وهي المكونات الأقوى (المؤتمر، الإصلاح، الحوثيون، الحراكيون). وسيساعد ذلك أن الحكومة لا تملك "ثقافة"ولا "قيم" ولا "رؤية" ولا "رسالة" المنظمات الناجحة, لأن المحاصصة تضيع الكفاءة, وبالتالي تظل "قيم" الفساد المالي والاداري أهم مكون في "ثقافة" الحكومة, التي ستجد نفسها بلا "رؤية عريضة" للنهوض بهذا الوطن, وسيجد بحاح أخيراً أن رسالته الوحيدة هي"تسيير" هذه "التروس الصدئة" وأن يكون لها كزيت المحرك!
لكن تظل النقطة الأقوى لديه, أنه يستطيع أن "يفرز" القوى البشرية الأفضل لحكومته, يستطيع أن يبادر, فيلزم الأحزاب أن يرشحون لحصصهم كفاءات من خارج "أحزابهم" مثلاً: يرشح المؤتمري إصلاحي وهكذا دواليك بالنسبة لبقية الأحزاب. أنا هنا أفترض مجرد افتراض.. يستطيع الآن -والآن فقط- أن يعلن رسالة حكومته بوضوح, وهي "قهر الفساد والمفسدين". يستطيع فرز الأكْفاء (جمع كفء) من الأكِفَّاء (جمع "كفيف".. ولا نقصد هنا من فقد البصر, فهذا يسميه المجتمع اليمني البصير, فهو إن كان فقد البصر فقد ربح البصيرة, وانظروا حولكم من عبدالله البردوني ومحمد حسين عامر إلى فاطمة العاقل وغيرهم من ذوي البصيرة) وإعلان مهمته الواضحة, في "التوصيف الوظيفي" و"التفويض العملي" وتبني مقاييس الإدارة المبنية على النتائج، وإعطاء الصلاحيات الكاملة للأجهزة والهيئات والإدارات الرقابية، وتفعيل الثواب والعقاب. ماذا لو أعلن الرسالة العريضة لحكومته, تحت عنوان واضح, على سبيل المثال "نعم, نقدر بإذن الله"ويبدأ جاداً في "إعادة أموال الشعب" وهذه لها موضع منفصل, قد نتحدث عنه في مقال لاحق وكيف أن آليته سهلة ميسورة.
خلاصة القول إن المطلوب من بحاح أن ينظر إلى المخزون البشري الإبداعي المنتج النزيه من وسط حزب المستقلين، وألّا يقصي هذا المكون الهام كما يحدث الآن. أن يقصي التقاليد والفلسفة البالية للحكومة اليمنية, أن يقصي الفاسدين والمفسدين والأَكِفّاء الجهلاء. أن يقصي كل ذي مصلحة وكل ذي عمولة وكل ذي محسوبية.
عليه وهو يتولى مقاليد الحكومة أن يتمثل الزعماء, أصحاب الرسالات, مثل مهاتير محمد ورجب طيب أردوغان ومارغريت تاتشر.. (للأسف لا يحضرني نموذج عربي معاصر), أن يقوم بثورته الخاصة, وألا ينتظر الناس حتى يثوروا عليه, حين يجعله "زهو السلطة" يقول "إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنَّا على آثارهم مقتدون" صدق الله العظيم.