جهات عديدة خسرت من العدوان الصهيوني على قافلة الحرية، ولا شك أن (إسرائيل) من بينها، لكن أسوأ الخاسرين هي هذه المجموعة من الدول العربية المنضوية في إطار الجامعة العربية، وبدت في مواقفها –باستثناء قرار مصر فتح معبر رفح وانسحاب الكويت من مبادرة السلام- وكأنها لا علاقة لها بفلسطين.. وكأن (تركيا) أقرب للفلسطينيين منها! (إسرائيل) عنصرية ومجرمة ولذلك نفهم أن تقتل وتحاصر وتجوِّع.. لكن كيف نفهم مواقف دول عربية يفترض أنها شقيقة لفلسطين.. ومع ذلك فبعضها يشارك في الحصار.. وبعضها يمنع حتى فتح مكتب تمثيلي لحركة حماس، ويمنع وجود قيادات حماس في بلده.. وبعضها يملك من القوة المالية والإعلامية ما يستطيع بها أن يهز اقتصاد العالم لو جعل رفع الحصار عن غزة مطلباً ذا أولوية في علاقاته الخارجية وشرطاً لكل من يريد استمرار العلاقات معه.. وبعض هذه الدول – ما نزال نتحدث عن أعضاء الجامعة العربية- تكتفي بالإدانة والتفضل على مواطنيها بالسماح لهم بتنظيم مهرجانات ومسيرات؛ والأفضل منها أن تسمح لأجهزتها الإعلامية بالهجوم على الصهاينة!
(2) في المرحلة المكية من تاريخ الإسلام؛ فرض مشركو قريش حصاراً تاماً على المسلمين والمتعاطفين معهم.. ولم ينكسر الحصار إلا عندما أقدم مجموعة من مشركي قريش نفسها على تحدي الحصار والعمل على إسقاطه!
وبعد أكثر من 1400 عام يحاصر بنو قريظة الجدد شعباً عربياً لمدة أربع سنوات، ولا يوجد في الأنظمة العربية من يتحدى الحصار؛ لا نقول أن يرسلوا – حاشاهم- بواخر وطائرات لكسر الحصار.. بل فقط لأن يقودوا حملة سياسية وإعلامية كمثل التي تصنعها الحكومة التركية وكما تصنع منظمات أهلية: إسلامية وعربية ومسيحية وغيرها!
أنظمة عربية أقصى ما تصنعه أن تصدر بياناً يطالب المجتمع الدولي بأن يكسر الحصار على غزة! وهم يكتفون بعد التوقيع على البيان بغسل أيديهم من الحبر وترديد قوله تعالى "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" أو (إحنا عملنا اللي علينا.. والباقي على أمريكا)!
قارنوا مواقف وتصريحات (أردوغان) و (أحمد أوغلو) أو حتى الرئيسان الفرنسي والروسي والاتحاد الأوروبي.. وهي تطالب بفك الحصار عن غزة.. وهذا الصمت أو الأصوات الخافتة والخجولة التي تتحدث بها عن حصار غزة وتبدو أقرب لأداء واجب العزاء لجار بعيد!
وكله كوم وموقف سلطة (رام الله) كوم.. فهي ظلت طوال سنوات الحصار تترقب ليس سقوطه بل سقوط (حماس).. ولم يصب أحد مسؤوليها الأمنيين أذى عندما أعلن سروره بشن إسرائيل حربها الهمجية ضد غزة. وأعلن القادة الصهاينة يومها أن قادة فلسطين حثوهم على ضرب غزة بقوة لإسقاط حماس ولو على جثث الفلسطينيين وأنقاض غزة!
(3) ما الفارق بين الحكومة التركية والحكومات العربية.. الذي يجعل (تركيا) تتحدى الأخطبوط الصهيوني في العالم وتنهج مثل هذه السياسة المؤيدة للفلسطينيين والإصرار على كسر حصار غزة؟
ما الذي تملكه تركيا ولا تملكه الجامعة العربية حتى يقف الأتراك هذه المواقف النبيلة، ويندد زعماؤها بهذه القوة وهذا التحدي بحصار غزة ويعلنون أنها ستظل قضيتهم ولن يتخلوا عنها حتى يرفع الحصار.. وفوراً؟
الفارق أن قادة تركيا ليسوا مهووسين بالكراسي.. ولا بالإعداد لتزوير الانتخابات القادمة.. ولا يعملون لتأميم السلطة لا لأنفسهم ولا لذراريهم.. ولا ينشغلون بنهب ثروات بلادهم ولا بترتيب الوكالات التجارية لشركائهم التجاريين وتطفيش منافسيهم في السوق!
والفارق – أيضاً- أنهم يشعرون بمسؤوليتهم الإنسانية والإسلامية تجاه المحاصرين في غزة.. بينما نظراؤهم العرب لم يدخل في قلوبهم أو نسوا هذه المعاني مع أن بعضهم هم الذين سارعوا لإنقاذ حديقة الحيوان في لندن وضحايا الأعاصير في أمريكا!
(4) في حوار صحفي.. وضع الرئيس السابق/ علي ناصر محمد النقاط على الحروف في تشخيص أزمة الوطن المستمرة منذ 1990م عندما أعلن أن الأزمة التي يعيشها اليمن واليمنيون هي أزمة سلطة وليست أزمة وحدة.. وأن الذين أقاموا الوحدة عام 1990م كيفوها على أنفسهم ورتبوا الأمور بما يتفق مع مصالحهم وليس لمصلحة الوطن والشعب!
هذا التشخيص للأزمة مهم لأنه يصدر من رجل بحجم (علي ناصر محمد).. ولذلك نختلف بقوة مع ما يردده (البعض) في اللقاء المشترك ولجنة الحوار الوطني من إشادات بوحدة 1990م السلمية باعتبارها الوحدة الحقيقية.. فهؤلاء الذين يقولون ذلك هم الوجه الآخر للسلطة التي تقول إن الوضع القائم هو الصواب وهو المنسجم مع الأماني الوطنية في أن تكون دولة الوحدة قائمة على أساس الديمقراطية الحقيقية وحكم الدستور والقانون والمساواة!
كلا الطرفين يغني على ليلاه هو وليس على (ليلى اليمن).. وكلا الطرفين ربط الوحدة ومصيرها بوجوده في السلطة وتمتعه بثرواتها ونفوذها.. فإذا تحقق ذلك فالوحدة بخير ولا خوف عليها.. ولا مانع من رفع شعار (الوحدة أو الموت).. أما إذا خسروا السلطة وضاعت عليهم الثروة فالوحدة انتهت، ومايو 1990م لم يعد له وجود.. وكل واحد يصلح سيارته ويرجع بيته.. وإلا (با يقع) دم من المهرة إلى صعدة!
الأزمة التي نعيشها هي أزمة سلطة محتكرة ونظام سياسي مختل وممارسة ديمقراطية مفرغة من مضمونها.. وهي أزمة بدأت منذ اليوم الأول للوحدة وما تزال قائمة حتى الآن وليس من مصلحة أحد – إلا السلطة- أن يتم تشخيص الأزمة بغير ذلك وتزييف وعي الناس وزجهم في متاهات جديدة من الجدل العقيم! ويكفي الزمن الثمين الذي ضاع بعد أن زجوا بالشعب في جدل عقيم حول الوحدة والانفصال؛ والشراكة المفقودة والانقلاب على دستور الوحدة.. إلخ المفردات التي أجهضت فرصة استثمار نتائج المشاركة القوية للقاء المشترك في الانتخابات الرئاسية والتي كان أبرزها الاتفاق الذي تم برعاية الاتحاد الأوروبي؛ فقد دخلنا في معمعة الشعارات المتطرفة التي استغلتها السلطة لتبييض صفحتها بأنها تواجه حركة انفصالية! والشاطر من لا يكرر الخطأ!