كنا في أواخر القرن الفائت طلبة في مدرسة فجر صدان، وكان هذا الإسم لا يكاد يجهله أحد في مديرية الشمايتين من الحجرية، تعليم نوعي، ودوري ثقافي وآخر رياضي وثالث توعوي في محيط المدرسة، ونشاط دؤوب كأنها خلية نحل، كان هذا يحصل بإدارة شخصية متفردة عرفها الناس بالأستاذ، وكان يكفي أن تقول الأستاذ ليفهم الناس أنك تعني هذا الرجل، وبجواره نخبة من المعلمين المبرزين كل في مجاله، كان عقدًا من الزمان تخرج فيه من المدرسة المئات من الفائقين الذين عرفتهم ميادين المعرفة والعمل والإبداع. وكان بين الوقت والآخر تذهب منتخبات مدرستنا الأكاديمية والثقافية والرياضية إلى مدارس العزل المجاورة لإجراء المسابقات وقضاء أيام مميزة، يبدأ البرنامج الثقافي في طابور الصباح، ثم يلتحق الطلبة في فصول نظرائهم خلال الفترة الأولى، وبعد الفرصة تبدأ باقي البرامج الرياضية والأكاديمية والثقافية.
مرة ذهبنا إلى مدرسة الجُنِّد، وكان البرنامج منوعًا وماتعًا، زملاء الصف كانوا أيضًا مختلفين ومميزين ومنهم من بقيت أسأل عنه حتى وقت قريب، وعصر ذلك اليوم كان الموعد مع كرة القدم، ونحن وقتها لدينا فريق مميز ربما أفضل من ريال مدريد حاليًا.
فزنا في كل المباريات على الزملاء في مدرسة الجنّد، وعدنا ظافرين إلى الديار، في اليوم التالي كنا على موعد مع تقرير المشاركة الذي أعده أحد الطلبة النجباء وصار لاحقًا أديبًا وشاعرًا معروفًا، التقرير كان حماسيًا وأشار إلى صعوبة الفوز في مباراة القدم على الفريق الآخر، الخصم اللدود.
انتهى صاحبنا من قراءة تقريره ونال التصفيق الحار، لكن الأستاذ لم يبتسم وبقي مقطبًا وجهه، زيادة على ذلك ذهب وتناول الميكرفون وشكر صاحب التقرير على تقريره المميز، مستدركًا: ولكن، وكانت سبابته تهتز، نحن ذهبنا إلى أحبة لنا وزملاء، لا أعداء، ذهبنا لنلعب لا لنحارب، وإخوتنا ليسوا "الخصم اللدود" يا أبنائي!
وقتها تجمدت نشوة الانتصار، وتحركت سحائب الشوق لإخوتنا في الجنّد، وصرت بعد ذلك أتساءل كل أسبوع إن كنا سنذهب إلى الجنّد وننضم للزملاء في فصولهم، ولكن "مش كل يوم يتسوّقوا للجنّد".
أنا الآن أريد الذهاب إلى الجنّد والعودة للصف الثاني إعدادي كي أجلس في المقعد الثاني على يمين السبورة السوداء المصقولة، ونحن إذ نلعب الكرة ونشجع الفرق المختلفة، فإننا لا نحترب، ذلك أن بعض الزملاء هنا يحدد مواقف صارمة من الذين لا يشجعون فريقه المفضل.