بنظرة فاحصة للواقع اليمني اليوم نلاحظ غياب تام لدور الأحزاب السياسية والقوى المجتمعية والتي من المفترض أن تكون هي الممثلة الحقيقية للشعب ومن خلالها يتم ملاحظة خيارات هذا الشعب وتوجهاته بل انها الضامن المفترض لمشاركة الشعب اليمني في إدارة الدولة والمجتمع . ولربما يقول قائل إن البلد في حالة حرب وان الأحزاب منخرطة في القتال الدامي المشتعل في أرجاء الوطن ولا مجال الآن للعمل الحزبي والممارسات الديمقراطية إلا إنني أرى العكس تماما فهذا الغياب يعكس مقدار الفوضى والتخبط الذي أصابت الكيان اليمني إصابات بالغة ومميتة والاستمرار في حالة العشوائية هذه لن تؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى ومزيد من الاقتتال ولا بد من وقفة جادة وإعادة ترتيب أوراق الوطن من الداخل فما يحدث يشعرنا بالخوف والقلق والرعب فالمسارات التي نمضي بها كدولة يمنية مسارات غير واضحة ومجهولة وتستمد زخمها من القيادة السياسية وهذا لوحده لا يكفي والضحية في الأخير هو اليمن أرضا وإنسانا والانكى أن كل ما نلمسه من الحكومة اليمنية على الصعيد الإنساني في الداخل مجرد أقوال انفعالية فقط لا تترجم على ارض الواقع إلى شيء ملموس يشعر به المواطن للأسف الشديد فما يحصل هناك في الداخل اليمني هو كارثة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى فلا صحة ولا تعليم ولا امن ولا أمان ولا رواتب ولا طفولة طبيعية وهذا هو الأخطر ( خصوصا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين ) وقد سبق وأعلنت المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن هناك خمسة عشر ألف مجند من الأطفال في صفوف الحوثيين يستخدمون وقودا في المعارك الدائرة ( طبعا هذه الإحصائية غير دقيقة وربما العدد اكبر بكثير فكلنا يدرك صعوبة التحقق من المعلومة في ظل ظروف الحرب التي تدور في الداخل اليمني كما أن هناك جهات أخرى في بعض المناطق أيضا تقوم بتجنيد الأطفال بشكل اقل ) كما نلاحظ ازدياد التيارات السلفية الجهادية والتي من الصعب تاطيرها ضمن قوات نظامية تتبع الدولة ولربما تصبح مشكلة عويصة الحل في المستقبل بالإضافة الي مجموعات التأجيج ألمناطقي ممن جعلوا من القضية الجنوبية ركوبا لهم فهم يثيرون النعرات ويشوشون وحدة الصف ويؤثرون في الأخير على بنيان الشرعية الدستورية الوطنية من الداخل ونحن عندما نتحدث عن هؤلاء جميعا لا نقصدهم لتوجها تهم ولا بسبب أشخاصهم فهي لا تعنينا بتاتا ولا تهمنا سلبا أو إيجابا وإنما حرصا على هذا البلد العظيم فعندما تكون المنصة هي الوطن فلا مجال للمداهنات ولا المجاملات ولا بد من مصارحة حقيقية ومكاشفات صادقة لتوعية المجتمع من أولئك الذين يبسطون الأمور ويسطحون الواقع فبعض السياسيين في الدولة اليمنية اليوم أصبح بوقا لهؤلاء الطامعين أيا كانوا ومع أي طرف من منتهزي الفرص الوصوليين ممن يجدون في ظرف الوطن الأليم الطريق لرغباتهم المتطرفة والبعيدة عن الواقع والوطن والشعب . الحذر كل الحذر من قوى الظلام التي تنادي دائما بما يقلل من دولة اليمن الاتحادية وينتقص منها ومن شرعيتها تحت أي مبرر فهي ترى في هذا المخاض العسير لليمن مجرد مرحلة للوصول إلى مآربها الضيقة ومشاريعها الصغيرة وتنظر إلى نضالات شعبنا الحر الأبي الصابر المحتسب كساحة لتحقيق إرادات القوى الإقليمية ولدول الجوار دون أن يدركوا إن معركتنا هي معركة مصيرية للعرب قاطبة ونؤمن بهذا إيمانا عميقا ونستشعره في وجداننا وعاطفتنا حتى بات يخالط دمائنا ويمتزج بأرواحنا دون ادعاءا منا أو تكلف لذا فان سقطات هؤلاء بحق الدولة الاتحادية اليمنية في الإعلام تجرح كثيرا وان كانت الحكومة لا تقدر على تطبيق القانون على هؤلاء وغيرهم فما الفائدة من وجودها؟؟ وما المبرر لبقائها إذن ؟؟؟ كل دول العالم المتحضر تؤمن بالقانون ( لن أقول العدل ) ..القانون هو أساس الدولة وعندما يطبق القانون على الجميع ويصبح ملزما لرجالات الدولة وأقاربهم قبل عموم الناس سوف نشعر أن اليمن فعلا بدا خطواته نحو المستقبل المشرق . لا اشك لوهلة أن شعبنا اليمني وعلى الرغم من هذا الواقع الأليم والأسى والجهل إلا انه أصبح أكثر وعيا وأكثر نضجا بعد كل هذه المعاناة التي ما زالت فصولها حتى الآن وان كان اليوم يسكت نتيجة لأسباب كثيرة لسنا بصدد شرحها إلا انه لن يسمح باستغفاله مرة أخرى من قبل أي طرف لا بالشعارات البراقة ولا غيرها ومع كل هذه الأسباب المرتبطة بالمسببات التي لا تخفى على احد منا إلا أن إيماننا وتمسكنا بحبل الله ورجائنا في رحمته هي الأمل الكبير بان نهاية هذا النفق المظلم باتت وشيكة وان اليمن سيعود لكل أبنائه وينهض من كبوته هذه ليلتحق بركب الحضارة الإنسانية من جديد . ما أريد قوله هو أن ما يجري على الساحة اليمنية يستلزم منا المكاشفة الواضحة التي لا لبس فيها ولا غموض حتى نستطيع أن نسهم في صناعة المستقبل وصياغة المرحلة التي يمر بها الوطن والاعتماد كل الاعتماد على الله أولا ثم شباب اليمن على مختلف مشاربهم الذين عليهم أن يواجهوا الحقائق كما هي وان يتعاملوا مع الواقع بفهم ومرونة ورجولة وبمسئولية وان يكون التعصب والانتماء لله ثم للوطن أولا دون غيره من الانتماءات السياسية التي تحجب الرؤية وتمنع التفكير الصائب وحتى نستطيع مواجهة كل المشاريع أيا كانت محلية أو إقليمية والتي تستثمر في ضعفنا وتفرقنا وتعصباتنا السياسية والمناطقية وحتى المذهبية نسال الله أن يحفظ اليمن وأهله من كل مكروه .