الفريق علي محسن الأحمر ينعي أحمد مساعد حسين .. ويعزي الرئيس السابق ''هادي''    ما لا تعرفونه عن الشيخ عبدالمجيد الزنداني    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    «الرياضة» تستعرض تجربتها في «الاستضافات العالمية» و«الكرة النسائية»    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السيول تقتل امرأة وتجرف جثتها إلى منطقة بعيدة وسط اليمن.. والأهالي ينقذون أخرى    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلام في اليمن عبر التسوية... فرص وتحديات
نشر في المشهد اليمني يوم 20 - 09 - 2023


مقالات
د.محمد الميتمي
يصدح حديث السلام المرتقب في اليمن بقوة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة وفي وسائط التواصل الاجتماعي وبيانات زعماء الدول والمنظمات الدولية والإقليمية الراعية لمشروع السلام في اليمن، حتى يكاد المرء يصدق إن أبولو إله الكمال والجمال والسلام قد رجحت كفته وانتصرت على آريس آله الحرب والقوة والثأر والانتقام في معركة الأرض الأزلية بين الخير والشر كما تقول الأساطير اليونانية.
لن تكن هناك مفاضلة بين خيار الحرب التي تعني الموت والخراب والدمار وهلاك الحرث والنسل وخيار السلام الذي يعني الحياة والحرية والكرامة الإنسانية، الأمن والأمان والاستقرار والازدهار والتنمية عندما يحتكم المرء إلى الضمير الإنساني والحكمة والعقل ونزعة الخير فيختار السلام، عدا ذلك هو هرطقة وجنون.
خيارات المرء أن ينحاز إلى أبولو إله السلام أم إلى آريس إله الحرب هو رمز لبنيته السيكولوجية وطبعه وتطبّعه الدفين في شخصيته الأسرية وبيئته الاجتماعية.
اليمنيون لا شك بعد تلك السنوات العشر من الحرب الضارية التي أذاقتهم الويلات والمصائب العظام تواقون أكثر من غيرهم إلى خيار السلام ومنحازون إليه بشكل قاطع.
ولكن يا ترى ما هو كنه السلام الذي ترتجيه الغالبية العظمى من اليمنيين؟ وما هو ذلك السلام الذي يجري التحضير له؟
في روايته العظيمة بعنوان "الحرب والسلام" لليف تولستوي يدعو الكاتب إلى السلام ونبذ الحرب ويؤكد فيها أنه يجب على المرء "أن يكون إنسانا لأننا جميعا راحلون"، حتى تستقيم دعاوى السلام مع النزاعات الإنسانية الخيرة والارتقاء بالذات إلى دعوة الخالق سبحانه وتعالي إلى السلام في كل شيء وكل شخص الذي هو أحد أسماء الله الحسنى، وآيات السلام كثيرة في القرآن.
واحدة منها فقط تكفي لتعبر عن مركزية السلام في القرآن "يا أيّها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة" (سورة البقرة). وهو السلام الذي يحفظ كرامة الإنسان والمجتمع وحريتهما وحقوقهما من أيّ انتهاك وطغيان. السلام الصادق الشامل والعادل الذي لا يقوم على المكر والخداع والتضليل.
وتدور ملحمة الروائي الفذ تولستوي حول حياة المجتمع البائسة والذل والهوان الذي عاشه المجتمع الروسي في ظل الحرب وسعي نابليون لاستعمار روسيا. وفيها يذكر كيف تآمر عدد من أرستقراطيي روسيا مع المستعمر الفرنسي لإسقاط روسيا مقابل فتات من المال والجاه الذي يتفضل بها نابليون عليهم.
كل عملية سلام تتجاهل جذور الحرب الأهلية، أسبابها ونتائجها وضحاياها وتطغى فيها مصالح الأطراف الخارجية على مصالح الفئات الاجتماعية المحلية التي اكتوت بنارها ليست سوى مجرد مسكنات وترحيل للحرب إلى جولات قادمة.
تحدث الحرب الأهلية حينما تقوم جماعة محلية بتشكيل منظمة عسكرية خاصة تسمي في الأدب السياسي ميليشيا تعمل خارج عن نطاق شرعية الدولة وبما يخالف دستورها وقوانينها.
والدولة بحسب تعبير ماكس فيبر هي التي تملك الحق الحصري في احتكار القوة والعنف.
وفي الوقت الراهن هناك أكثر من جماعة مسلحة تنتشر في أرجاء اليمن تم تخليقها واحتضانها بإيعاز وتمويل وتدريب من دول ومنظمات خارجية يبلغ قوامها اليوم حسب بعض التقديرات أكثر من 700 ألف مسلح لا يخضعون لسلطات الدولة الشرعية ولا يأتمرون بأمرها.
هذا العدد الهائل من الجماعات المسلحة التي تعمل خارج سياق الدولة الشرعية يفصح ويفسر إلى حد كبير جذور استمرار الحرب الأهلية في اليمن ومحركاتها. فبمجرد أن نفهم من هم هؤلاء وكيف تشكلوا، وأين يتموضعون، وما هي دوافعهم ومبررات وجودهم، ومن يقف وراءهم ومن يمولهم ويدرّبهم، وما هي فرص نجاحهم فإننا نكون قد وصلنا إلى إدراك جذور هذه الحرب وأسبابها ونطاقها وحدِّتها وفرص استمرارها من عدمها، ومن ثم معرفة سبل وقف هذه الحرب وفرص السلام.
يخبرنا التاريخ العالمي المعاصر أن الأقطار التي خبرت التغيرات المفاجئة في النظام السياسي والحروب والصراعات المسلحة والانقلابات العسكرية هي أكثر من غيرها ميلا لتكرار النزاعات المسلحة.
ومنذ مطلع التسعينات وحتى اليوم وقع نحو 128 نزاعا مسلحا، 48 منها بلغت الذروة. 93 في المئة من مجمل هذه النزاعات كانت نزاعات داخل الدولة.
تغدو جميع الدول التي وقعت ضحية النزاعات الداخلية المسلحة، هشة وضعيفة، مما دفع بنحو 25 في المئة منها تلك التي وقعت اتفاقيات إنهاء الحرب وبدء السلام إلى الانتكاسة والوقوع مجددا في مخالب الحرب بصورة أكثر عنفا وعمقا واتساعا.
تتزايد هذه الانتكاسات وبشكل تدريجي منذ ستينات القرن الماضي ليصل معدل الانتكاس إلى 60 في المئة من عدد النزاعات المسلحة التي حدثت مع مطلع الألفية الثانية.
لقد تصاعد هذا المنحى منذ عام 2011 حيث زاد معدل الحروب بنحو 4 أضعاف وكان عاما 2014 و2015 من أكثر الأعوام فتكا بالناس بمعدل يزيد عن ستة أضعاف فترة التسعينات.
يكمن السبب الرئيسي في ارتفاع معدل الانتكاسات في الوقت الحاضر إلى أن القليل فقط من الحروب الأهلية التي انتهت بنصر عسكري لصالح أحد أطراف النزاع مقارنة بعقد الثمانينات من القرن الماضي حيث فاق معدل الحسم العسكري للحروب الأهلية ثمانية أضعاف حجم الصراعات التي انتهت بتسوية سلمية.
قد يتراءى للوهلة الأولى أن تصاعد معدل التسويات السلمية على الحسم العسكري تطوّر إيجابي في مسار الأحداث. غير أن الوقائع تبوح بغير ذلك. فانخفاض أعداد وقائع النصر العسكري لصالح التسويات السلمية العرجاء يعني أن نتائج تلك الحروب بما فيها من مآسٍ وتكاليف قد فشلت في تحديد نظم النظام الجديد وقواعده.
لا يعنى قطعا هذا الدعوة إلى رفض التسويات السلمية، لكنه ينبه إلى خطورة التسويات السلمية المنقوصة التي تخفي النار تحت الرماد لتندلع من جديد وتخلف دمارا وضحايا من البشر أكثر مع كل انتكاسة جديدة.
الأمثلة من الواقع كثيرة على هذه الانتكاسات التي هي محصلة لتسويات سلمية زائفة وتنازلات مؤقتة من الأطراف المتنازعة لتتحين الفرصة المواتية للانقضاض على الخصم، على نهج "أدعو للسلام وأستعد للحرب" كما كان أدولف هتلر يفعل.
على الصعيد العالمي تقدم معاهدة فرساي للسلام التي وقعت في باريس 1919 مثالا حيا على نتائج السلام المنقوص الذي لا يراعي بتوازن دقيق مصالح كافة أطراف الصراع.
هيمن قادة الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى على مفاوضات السلام وهم الأربعة الكبار وفرضوا شروطا قاسية على الدول المهزومة الأمر الذي منع من استمرار السلام لفترة طويلة وقاد بالنتيجة إلى قيام الحرب العالمية الثانية.
كما أن اتفاقيات السلام الموقعة بين ألمانيا النازية وبولندا عام 1934، وبين ألمانيا وكل من فرنسا وبريطانيا العظمى وروسيا البلشفية عام 1939 انتهت جميعها بغزو هتلر لها واندلاع حرب عالمية أودت بحياة أكثر من 60 مليون إنسان.
على الصعيد الإقليمي يقدم السودان الحزين مثالا آخر على نتائج التسويات السلمية المنقوصة. ففي 9 يناير 2009 وقعت الحكومة السودانية اتفاقية سلام مع الجيش الشعبي لتحرير السودان برعاية أممية لإنهاء الحرب الدائرة منذ عشرين عاما أدت في الختام إلى انفصال جنوب السودان عن الدولة السودانية وقيام دولة جنوب السودان.
وقبلها وقعت اتفاقيات سلام بين الحكومة السودانية والجبهة الشرقية وأخرى مع المسلحين المتمردين في دارفور. لكنه بالرغم كل هذه الاتفاقيات بقيت الصراعات مشتعلة وعدم الاستقرار قائما في شمال السودان وجنوبه حتى هذه اللحظة ومجتمع يتشظى.
والعالم ما زال شاهدا على الحرب الأهلية الشرسة التي تدور رحاها بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وراح ضحيتها حتى اليوم عشرات الآلاف من القتلى والجرحى وتركت دمارا ماديا واسع النطاق. لبنان وسوريا والعراق وليبيا هي الأخرى شواهد إقليمية حية على نتائج اتفاقيات السلام المنقوص الذي لا يدوم طويلا.
وفي بلدي اليمن الذي تكررت فيه الصراعات المسلحة والانقلابات منذ قيام ثورتي سبتمبر 1962 و1963 وقعت اتفاقيات سلام عديدة انتهت بتجدد الصراعات بشكل أكثر ضراوة وعنفا، أبرزها اتفاقية السلام عام 1970 بين الجمهوريين والملكيين، ووثيقة العهد والاتفاق عام 1994 الموقعة بين شريكي الوحدة اليمنية اللذين تنازعا على التفرد بالسلطة، ووثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل الذي أجمع ووقع عليها اليمنيون بكافة فئاتهم وأطيافهم السياسية عام 2013 – 2014، واتفاقية السلام والشراكة عام 2014.
الحروب الأهلية تصنع في الواقع ظروفا وشروطا ثقيلة وناقمة تتخطى الفهم الواقعي للمحللين، فالوسطاء الإقليميون والدوليون يقدمون وصفات لتجاوزها أقال ما يقال عنها إنها غير فعالة وغير ملبية لطموحات الضحايا. فما أن تنزلق البلاد إلى حرب أهلية حتى تكون مخاطر الانتكاسة والعودة إلى حرب أخرى عالية الاحتمال للغاية. ويعود هذا جزئيا إلى أن المجتمع يكون قد تشظّى والنسيج الاجتماعي قد تمزق ومخزون الغضب والحقد والكراهية والثأر يكون قد بلغ أوجه، ومن الجانب الآخر تكون هذه الحرب قد خلقت فئات اجتماعية قوية ومؤثرة متربِّحة من الحرب والجريمة المنظمة، ترى في السلام وإنفاذ القانون خسارة لمصالحها ومواقعها ونفوذها.
وعليه فإن خوف المواطنين من انتكاسة عملية السلام والعودة إلى أحضان الحرب مرة أخرى تظل تطاردهم على كافة الفضاءات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي يتعين أن يحلموا بالعيش في مساحاتها.
لا يمكن للسلام أن يترسخ ويدوم في وقت ما زالت فيه الميليشيات المسلحة تطوف المدن والشوارع والطرقات. وحتى بافتراض أن المظاهر المسلحة للميليشيات يمكن إخفاؤها أو كبحها فإن الجريمة المنظمة والغضب والثأر والانتقام لا يمكن إخمادها بمجرد الإعلان عن السلام المنقوص. السلام الشامل والعادل في حاجة إلى أنصار وأعوان ومساندين أقوياء ومخلصين أكثر من أنصار الحرب حتى يدوم.
معظم تلك الصراعات العنيفة المذكورة أعلاه على السلطة والثروة ما انتهت بعملية مصالحة سياسية وتسوية سلمية عبر المفاوضات لم تدم طويلا، عندما عجز أحد أطراف الصراع أن يحقق أهدافه بالحسم العسكري.
الدروس المهمة المستخلصة هي أن جميع التسويات السلمية يترتب عنها تقديم تنازلات مشتركة من الأطراف المتحاربة والخصوم لبعضه البعض، وغالبا ما يتم ذلك بعيدا عن القناعة أو الرغبة الصادقة في التعايش وطيّ ملف الصراعات، وفي حالات أخرى تكون التسوية مجحفة بحق أحد الأطراف على حساب أطراف أخرى بحسب طبيعة توازن القوى العسكرية على الأرض، أو محاباة لجهات خارجية على حساب أخرى مما يجعل من عملية التحول من حالة الحرب إلى حالة السلام محفوفة بالتهديدات ومخاطر تجدد الصراعات.
وأبرز هذه التهديدات والمخاطر هي كما يلي: صعوبة عملية إعادة تثبيت الأمن العام والأمن الشخصي، سعي الميليشيات المسلحة التي تخلقت في أحضان القوى المتحاربة للاحتفاظ بالسلاح وتمنُّعها على تسليمه للدولة، طغيان الترقب وعدم الثقة بين أطراف التسوية السلمية والعمل على تحقيق المزيد من الإخلال في موازين القوى العسكرية والمادية والسياسية والاجتماعية بين تلك الأطراف.
صعوبة إعادة ترسيخ وتفعيل سلطة النظام والقانون وإنشاء آليات المحاسبة لعدم الإفلات من العقاب ضد أولئك الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم جسيمة بحق الإنسان والمجتمع. صعوبة إصلاح وبناء مؤسسات الدولة وتفعيل الأدوات الحاسمة والوسائل الضرورية لتطبيب النسيج الاجتماعي وبناء السلم المجتمعي وتأمين الإجماع الوطني نحو عملية النهوض والتنمية والتقدم. صعوبة العمل على تغيير العقد الاجتماعي بين كافة أطياف المجتمع السياسي والحزبي من خلال التراضي بما يكفل تقاسم السلطة والثروة بينها بشكل عادل ومتوازن وحصول التوافق عليه والقبول به واحترامه والرغبة في تنفيذه. صعوبة تصميم وتنفيذ برنامج وطني شامل للتطهير والإصلاح والتعافي الاقتصادي الذي يشكل أهم عوامل السلام وديمومته لما يوفره من تأمين سبل العيش الكريم، وتوفير فرص العمل المتساوية وتشغيل قوة العمل بكفاءة وتوزيع عادل للدخول والموارد الاقتصادية القومية العامة والمساواة الكاملة بين الجنسين.
على الجبهة الاقتصادية تصبح عملية التعافي بطيئة ومعدلات النمو الاقتصادي متواضعة بفعل المكايدات السياسية بحيث يغدو تعويض الحد الأدنى من خسائر المجتمع في مؤشرات الاقتصاد الكلي الأساسية والملحة صعبا للغاية. كما أن الرساميل الهاربة لا تستطيع وقد لا ترغب بالعودة إلى موطنها بمجرد وقف الحرب والإعلان عن السلام بالتسوية الذي ترى فيه أن أسباب الحرب قائمة وأبطالها ما زالوا يتسيّدون المشهد والميليشيات المسلحة ما زالت تجوب المدن والطرقات وتفرض الإتاوات والجبايات.
كما أن تدفق الاستثمارات الخارجية هي الأخرى تتردد في عبور الحدود إلى دولة خرجت للتو من نزاع مسلح فتاك ما يزال الأمن الفردي والجمعي هشا، وما زالت سلطة إنفاذ القانون تتأرجح بين تجاذبات القوى المنفلتة عن عقال الدولة. وهذا كله يجعل من استعادة الحياة الطبيعية وتحقيق التنمية المستدامة أمرا مستحيلا.
أفضل هبة لتجاوز محنة الحرب الأهلية ونتائجها الكارثية على اليمن وشعبه تتمثل في صياغة وتنفيذ سياسات تصالحية شاملة وعميقة تعيد اللحمة إلى النسيج الاجتماعي وترسخ السلم المجتمعي، وتشييد مؤسسات سياسية ديمقراطية إدماجية شاملة ثابتة وراسخة، وإنفاذ سلطة القانون وحماية حقوق الإنسان.
إن طريق التعافي الشامل في مرحلة ما بعد الحرب تعتمد إلى حد كبير على الخيارات السياسية الوطنية وتنفيذ برنامج وطني للتطهير والإصلاح، وكذلك على حجم ونطاق الدعم الإقليمي والدولي لعملية السلام.
التعافي ليس عملية آلية كما تفعل الأرجوحة عندما ترتد من الأمام إلى الخلف ثم إلى الأمام بل هي عملية طويلة وفي اتجاه واحد ومعقدة تحتاج إلى عقود طويلة من الزمن للأْم الجراح واستعادة الحياة الطبيعية والعودة بحركة الاقتصاد ونموه إلى مستوى سنوات ما قبل الحرب.
والأمثلة واضحة لنا من دول الصراع كأفغانستان والصومال وسيراليون ورواندا وإثيوبيا والعراق ولبنان، وحتى أوغندا التي تمثل قصة نجاح سريعة للعودة باقتصادها إلى مستويات ما قبل الحرب، حيث استغرق الأمر في أوغندا بعد الحرب في تسعينات القرن الماضي ليعود دخل الفرد إلى مستوى سنوات السبعينات من نفس القرن. وكل هذه الشروط والالتزامات والمعايير للسلام في اليمن ما زالت مجهولة المعالم.
السلام الشامل والعادل الذي يؤدي إلى الاستقرار والازدهار والنهضة تتبناه وتقوده وتتحمل مسؤوليته قيادة وطنية موحدة، بإرادة موحدة وصادرة عن إجماع وطني. أستدل على ذلك بتجربتين ماثلتين في بلدين بارزين هما جنوب أفريقيا والصين وهما البلدان اللذان عانا الإذلال والبؤس والتشظي على امتداد قرون ولم يتمكنا من تجاوز مأساتهما وتحقيق النهضة المشهودة إلا بوجود سلام وسلم مجتمعي شامل تحمله قيادة وطنية واحدة موحدة تحمل أحلام شعوبها وطموحاتها وتطلعاتها.
*سفير اليمن في الصين
*صحيفة "العرب"
1. 2. 3. 4. 5.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.