"لم يعد لدي ما أبيعه فأثاث المنزل بعت معظمه ولم يبق سوى ما نلبسه فقط، ولو أن أعضاء جسدي صالحة للبيع لفعلت". بصوت حزين تحدث محسن الوصابي والذي يعمل مجندا في أحد المعسكرات بتعز منذ 15 عاما، ويعتمد بشكل كلي على راتبه في تسيير أمور معيشته، فمنه يوفر الطعام والشراب والملابس وحاجيات أولاده وايجار مسكنه، برغم أنه دخل بالكاد يكفيهم. ومع انقطاع الراتب لثلاثة أشهر لموظفي الحكومة، زادت معاناته واضطر إلى بيع معظم أثاثه ليوفر الأكل لأسرته والذي استغنوا عن وجبتين في يومهم. فمنذ سيطرة مليشيات الحوثي على معظم مؤسسات الدولة، وإشعالها الحرب في كل الجبهات تسببت في وجود ملايين الفقراء والمحتاجين، وأعداد كبيرة ممن كانوا في الطبقة الوسطى أصبحوا تحت خطّ الفقر، وخاصة عندما ظهر عجز المليشيات في إدارة الدولة، وأمعنوا في نهب الخزينة العامة والنقدي الاحتياطي، وعجزوا في النهاية عن دفع رواتب الموظفين في الاشهر السابقة. محسن واحد من الموظفين الذين وصل بهم الحال إلى بيع أثاث بيته، والتفكير في بيع عضو من جسده حتى لا يسمع صراخ أولاده من الجوع. عشرات الآلاف من الموظّفين تكتظّ يومياتهم بالمأساة الناتجة عن تأخّر تسليم الرواتب الحكومية، التي هي محدودة في الأصل. محسن الذي تحدث مع "الصحوة نت" قال إن زميله سليم والذي يسكن في حي نقم، دفعته الحاجة لبيع بعض مقتنيات المنزل لتوفير القمح، كحدّ أدنى من متطلّبات الحياة، كما فعل هو، بل إن الكثير من زملائهم يعيشون ذات المأساة. وبحسرة يتذكر محسن أنه حاول أن يستدين من جيران وزملاء له لكنه كما يقول أصبح كالمثل اليمني"جاوع يشتكي على مصبح" واستطرد "إنَّ المواطن أصبح في وضع سيء للغاية وفي حالة معيشية يرثى لها، فأغلب الناس لم يصبحوا قادرين على توفير الدقيق أو شراء الخبز. وتخنقه الغصة وهو يتذكر أحد المواقف التي تقطع لها ألما: عندما أفاق طفله "سهيل" 6 سنوات قبل أسبوعين وهو يتضور جوعا في وضع لم يكن يفكر من قبل أنه سيصل إليه وأن اليمن ستنحدر كل هذا الانحدار نحو المجاعة، وقتها لم يتمالك نفسه من البكاء الذي صمت على إثره طفله وهو يرى أبيه يذرف الدموع. يؤكد محسن" أنهم استغنوا عن وجبتين، ويأكلون طيلة يومهم وجبة واحدة". ويضيف "كم شعرت بالإهانة والذل، عندما أتى المؤجر، وأهانني أمام أولادي والناس عدة مرات وقام بإغلاق باب المنزل علينا حتى ندفع له الايجار، ولولا تدخل الجيران لكنت أنا وأسرتي بالشارع، إضافة إلى الدائنين ومطالبتهم اليومية وأصحاب البقالات الذين رفضوا أن يستمروا في البيع لي دينا. ويستطرد قائلا "خرجت يوما إلى مكان بعيد حتى اتسول ولكن لم أستطع، وبت ليلتي أفكر بالانتحار". ووفقاً لتقصي أوضاع الناس في العاصمة صنعاء فإن أسر الموظّفين وخاصة الجنود تكتظّ بالقصص المأساوية الناتجة عن تأخّر تسليم الرواتب الحكومية، فقد اتّجه الموظّفون والمحتاجون المتأثّرون بالأزمة لبيع المقتنيات المنزلية، بعض الأسر لا تجد ما تبيعه أصلاً، ويضطرّ موظفون للإستلاف من أقربائهم وقريباتهم مقتنيات للبيع كما فعل عبد الكريم الحيمي "جندي" الذي أخذ خاتم ذهب من شقيقته وباعه ليشتري موادا غذائية لأسرته. وقد رصدت "الصحوة نت" حال أكثر من أسرة على هذا النحو، فيما المحال التجارية والغذائية منها بالذات (البقالات)، أصبحت تعيش أزمة مع عدم تسديد المدينين للمبالغ، التي عادة ما يقومون بتسديدها مع مجيء الراتب الشهري. يؤكد عبدالله الوصابي "صاحب بقالة بمنطقه سعوان أنه لم يعد يستطيع أن يبيع دينا لأحد من زبائنه، ومنذ شهرين رفض أن يعطيهم شيئا دون نقود. ويتابع "بقالتي أصبحت شبه خالية من البضائع لضعف القوة الشرائية، وكذلك صبري على معظم جيراني واخذهم بضائع بالدين لتأخر رواتبهم كل هذه المدة، الآن من أين أشترى بضاعة، ورغم أني حزين لحال أكثرهم لكني مضطر أن أوقف البيع دينا". لقد تحول الراتب الحكومي في اليمن من مصدر أمان معيشي إلى عبء على الموظف يجلب النكد والقلق، بعد الانقلاب وعدم الاستقرار السياسي الذي تشهده البلاد والذي تسببت به مليشيات الحوثي وصالح، وعدم مبالاتهم بحال الناس ومعيشتهم، ووصل بهم الحال إلى تهديد الناس والاعتداء عليهم واعتقال البعض ممن يطالب براتبه. وهذا ما أكده محسن "عندما حاول المطالبة براتبه، فاتهم بأنه داعشي وهددوه باعتقاله، فعاد إلى أطفاله مكسور القلب. ومع استمرار هيمنة المليشيات الحوثية على صنعاء يواصل الجوع والفقر محاصرته للكثير من البيوت اليمنية، فيما الوضع الاقتصادي مرشحا للتدهور بشكل أكثر سوءًا وخطرا. وما يفاقم المعاناة عدم اكتراث سلطة الأمر الواقع بصنعاء في دخول البلاد مرحلة من التشظي والانهيار الاقتصادي والمعيشي الشامل الذي سيسفر عن ثورة جياع ستجرف أمامها كل شيء وأولها مليشيات الفقر والجوع الحوثية.