كانت ساحة الحرية بتعز على موعد مع التاريخ يوم 29 مايو 2011م. إنها ليلة قام فيها جلاوزة ذلك العهد باستدعاء جريمة الأخدود بالنار ذات الوقود، جلاوزة ذلك العهد لم يكونوا بحاجة إلى أخدود يحفرونه كي يضرموا فيه النيران، فالأخاديد الممتلئة نارا كانت قلوب من خطط و نفذ تلك الجريمة المشهودة، و كانت النيران نيران بنادقهم و نيران آلياتهم العسكرية. الجلاوزة أولئك - سواء من خطط أو أمر أو مول أو نفذ - هم أنفسهم الذين سلموا فيما بعد للكهنوت السلالي آلة النار تلك و أضعاف .. أضعاف أضعافها ... سلموها للحوثي حقداعلى الثورة و انتقاما من الوطن! كان أطراف جريمة إحراق الساحة الموتورون كثر، فبينما برز الى العلن(الشقاة ) المنفذون ؛ توارى أكابر مجرميها ممن خطط و رتب، أو ممن قبع هناك و هناك كذئاب متربصة تنتظر نتائج النار ذات الوقود. لم يكن بحسبان المعتصمين يومها أن يصل الفعل الهمجي إلى ذلك المستوى من البشاعة و الإصرار على القتل و الإحراق لاعتصام سلمي . الحاكم المستبد يرى كل وسيلة تحقق غرضه و تبقيه حاكما؛ يراها وسيلة مشروعة تبيح دماء و أرواح و أموال كل من ينتقد استبداده، فهَوسُ الحكم لا يدانيه أي هوس آخر كما أثبتته وقائع و معطيات التاريخ الإنساني. يوازي و يساوي سلوك الحاكم المستبد ؛ عبيد الحاكم ممن يعززون و يثبتون استبداد الحاكم، من خلال رضاهم التام في أن يصبحوا الأدوات المادية لفعل الاستبداد. هذه الحاشية من الشقاة او العبيد، نادرا ما تستيقظ نخوة و شهامة أحدهم؛ فيفكر بطريقة مختلفة تهديه إلى الرشد و إلى صراط مستقيم. في حالة جريمة إحراق ساحة الحرية بتعز، كل الآمرين و المخططين لها - تقريبا - أصبحوا معروفين، مضى زمن انكشف فيه المستور و تعرى فيه الظالمون، و السؤال : هل نجد أحدا منهم قام بتصحيح مساره ، و مراجعة مواقفه، أو تخلى عن ممارساته الطائشة تلك، و تاب حتى بينه و بين نفسه توبة لمس الناس أنها غيرت مواقفه و مسار عمله و تفكيره؟ أم مايزال بعضهم أو معظمهم إن لم يكن كلهم مايزالون في ضلالهم القديم ، و في عمق غيهم يعمهون، و مستمرون في مكرهم و كيدهم ضد الوطن و المواطن !؟ إذا مااستمر هذا الصنف من الناس في ضلالته؛ فإنما يصر على المضي في غيه القديم بنفس خاطئة كاذبة. الحديث اليوم عن جربمة إحراق الساحة إنما هو لبيان بشاعة الجريمة التي نفذت، أكبر من أنها لغرض آخر، و الحديث عنها يأتي فيما تنشده العدالة الانتقالية . النار لا تطفأ بالنار، و الروح الانتقامية التي تبنتها الإمامة طوال فترة إشعالها للفتن منذ ألف عام ، مع الرفض التام لمزاعم من يقول أنها حكمت هذه المدة ، أقول بكل وضوح أن الإمامة ضلت تشعل الفتن ألف عام ، نعم أما أنها حكمت فوقائع التاريخ تكذب ذلك، إذ كانت تظهر فترة و تغيب فترات. ليس هذا على أي حال موضوع هذه السطور، و إنما موضوعها أن التغيير المنشود نحو دولة حديثة و حكم رشيد ألا تسود روح الانتقام مسار الهدف المنشود، و لكن هذا يتطلب من تلك النفسيات التي ارتهنت لرؤى الاستبداد أن تتخلى عن غيها و بطشها و غرورها ، بل و ممارساتها المنتهكة للحقوق، و أن تبدي صفحة جديدة من الصدق و الوضوح و الجدية في التغيّر، و ليت هناك من يمتلك الشجاعة الحقيقية فيصل إلى حد الاعتذار عن ماضيه البائس . ربما يقول قائل من الصعب أن يفعل أحدهم ذلك - و الحديث هنا طبعالا يتعلق بإحراق ساحة الحرية فقط بل بمختلف القضايا، و دون إغفال و مصادرة الحقوق الخاصة - فإذا كان ذلك أمر صعب، فليتغير الأداء و يغادر هؤلاء مواقع التمترس ضد الشرعية، فالتمترس الإيجابي اليوم، بل المشروع و المطلوب هو أن يتخندق الجميع بخندق واحد هدفه استرداد الدولة و إسقاط المشروع الظلامي للكهنوت الحوثي، و أن يتم حشد كل الطاقات و الجهود لهذا الهدف الأسمى.