في الإسلام الالتزام بالمواعيد من صفات المسلم الجيد، وفي الحكمة الغربية "الالتزام بالمواعيد من أدب الملوك". لسنوات كنت مسؤولا عن متابعة مقالات ومواد الصحيفة وكان الأستاذ علي الواسعي رحمه الله هو أكثر الكتاب التزاما بإرسال مقالته الأسبوعية دونما تأخير.
هو الوحيد، ربما، الذي لم يشغل هاتف الصحيفة لإبلاغه عن تأخر مقالته عن موعدها، وهو الوحيد أيضا الذي لم نسمع منه عبارة "آسف تأخرت عن الموعد".
آنذاك سألت طباع الصحيفة "عمي محمد" كما كنا نناديه، وقد كان معنيا بطباعة مقالات الأستاذ الواسعي رحمه الله منذ تأسست الصحيفة؛ سألته عن أكثر الكتاب الكبار التزاما بالمواعيد طيلة ال 25 السنة الفائتة فأجاب: الأستاذ الواسعي.
في كتابها "خريطة الثقافات" سردت الأكاديمية الفرنسية ارين مونر الفروق بين ثقافات الشعوب ووضعت الدقة في الالتزام بالمواعيد كمقياس لترتيب الشعوب ثقافيا.
"ارين" قالت إن الانضباط هو السلوك الأبرز المؤسس للحضارة والرقي، فلا نجد بلدا متقدما إذا لم يكن الانضباط جوهر السلوك الاجتماعي له، بل إن البلدان التي يفتقر شعبها لدرجة مقبولة من الانضباط غارقة في الفوضى ومتخلفة في حضارتها وفاقدة لمقومات النجاح.
قيل عن الأستاذ الواسعي رحمه الله أنه كان مدرسة صحفية كبيرة، غير أنه كان مدرسة في القيم والأخلاقيات أيضا. ومنه تعلم الجميع بأنه مهما كان مركزك وتاريخك النضالي العريق فإنه لا يبرر التعالي واللامبالاة وهدر أوقات الآخرين في متابعتك للوفاء بعمل التزمت به نحوهم.
كانت كتابات الأستاذ الكبير الواسعي رحمه الله بمثابة وخز للضمير الإنساني والسياسي، وكانت أعماله وقيمه كذلك.
فعدم الالتزام بالوقت والمواعيد ظاهرة يمنية وعربية شائعة تتسبب في هدر كبير لأوقات الآخرين وتخلق مشاكل عديدة.
في حين أن الانضباط في الوقت هو احترام للذات والنظرة الإيجابية التي نشكلها عن أنفسنا؛ والالتزام بأي موعد ما هو إلا وفاء تجاه الآخر سواء كان ذلك في محيط العمل أو محيط الأسرة أو العلاقات الاجتماعية بشكل عام، وفقا للأكاديمية الفرنسية "ارين".
تعلم الآلاف واستفادوا من كتابات الأستاذ الواسعي على مدى عقود من الزمن..وتعلمنا منه في الصحيفة ماذا تعني عبارة "في الوقت المحدد".
رحمه الله رحمة الله واسعة وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.