لعل تلك الحلقة الأخيرة في مسلسل الكوميديا السوداء التي بدأت بانهيار حالة الاستقرار السياسي وكان لها انعكاسات خطيرة قد بلغت ذروتها لحظة سقوط صنعاء كصدمة أخيرة في المخيال الوطني واليمنيون يشاهدون المليشيات الايرانية تحتل العاصمة وتبسط سيطرتها على مركز القرار السياسي وتحكم قبضتها على مؤسسات الدولة بينما كانت النخب السياسية تضرب أخماسا بأسداس ولم تستطع فعل شيء لحماية المصير الذي كان يقف على حافة الهاوية لولا دخول المملكة العربية السعودية على خط الحدث اليمني سياسيا وعسكريا واعلانها عاصفة الحزم التي أنقذت اليمن من براثن الحوثي وايران واعادت الاعتبار للدولة اليمنية وللشرعية التي قادت تمردا سياسيا وعسكريا واسعا ضد الانقلاب الحوثي تحت غطاء سياسي وعسكري من قبل التحالف العربي الذي شكلته و قادته المملكة وبدعم اقتصادي ولوجستي سعودي لامحدود غير المعادلة السياسية والعسكرية لصالح الشرعية اليمنية في غضون أشهر قليله وأعادت اليمن الى الحضن العربي مجددا على الأقل بكسر الحوثي عسكريا وتحرير سبعين في المائة من الجغرافيا التي كان يسيطر عليها ومحاصرته اقتصاديا وعسكريا فضلا عن حصاره سياسيا في المحافل الدولية وتقليم أظافره في الاقليم وبقية دول العالم. في سياق الحرب العسكرية ضد التمدد الايراني في اليمن فرضت المملكة العربية السعودية على نفسها مسؤولية الحفاظ على السيادة اليمنية بحماية الحدود البرية وتأمين سلامة الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب الذي يعد شريانا اقتصاديا عالميا. في الوقت الذي يتساءل فيه اليمنيون عن المستقبل في ظل صراعات النفوذ والمصالح وبقاء الحوثي مسيطرا على العاصمة صنعاء وغياب أفق الخلاص النهائي الذي طال انتظاره نظرا لتحديات داخليه وخارجية كبيرة ظل موقف المملكة العربية السعودية ثابتا في حماية المصالح الاستراتيجية للبلد وحماية سيادته واستقلاله كحليف استراتيجي لليمن والقوة الرئيسية الضامنة لوحدته الجغرافية ولبقاءه منسجما مع هويته التاريخيه ونسيجه الاجتماعي وهذا ما يجعل الأمل مفتوحا على سناريوهات الخلاص مهما طال وقتها. شكل انهيار النظام السياسي في اليمن واحدة من مفارقات القدر التي وضعت الدولة اليمنية بكل امكاناتها الاقتصادية والعسكرية بيد الحوثيين الذي سخروها للانتقام من الشعب وتثبيت سيطرتهم المطلقة على الجغرافيا لولا دعم المملكة العربية السعودية للجيش اليمني والعمل بجد لاعادة بناء مؤسسة عسكرية قوية وطنية قادرة على حماية سيادة اليمن وأمنه واستقراره ما عكس التزاما جديا بدعم اليمن ومساندته كشريك استراتيجي وأخوي لضمان مستقبل مشرق ومستقر لشعب يتوق الى الحرية ويترقب لحظة النصر. لطالما كان الزمن واحدا من أهم العوامل التي تكشف طبيعة الحركة الحوثية واساسها القائم على زعزعة الاستقرار ليس فقط على المستوى المحلي بل وحتى على مستوى الجوار والاقليم وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي تتشارك مع اليمن في أطول حدود جغرافية في الوطن العربي والعكس ، حيث ذهب الحوثيون لاجراء مناورات عسكرية على الحدود السعودية عقب سيطرتهم على البلد ،الأمر الذي حتم على المملكة حماية أمنها القومي والتعامل مع التهديدات الحوثية بشكل صارم ، رغم بعض المحاولات التي يجريها النظام السعودي للوصول الى تسوية مع الحوثيين بعيدا عن الحل العسكري لتحييد خطره الأمني والتي استجاب لها الحوثيون كنوع من التكتيك المرحلي لتقوية موقفه والانتصار على خصومه ولعل ما جرى من تهديد لطرق التجاره العالمية في البحر الأحمر خير دليل على طبيعة هذه الجماعة كقوة لادولتية ذات ولاء عابر لحدودها الوطنية ومغرقة في أوهامها الطائفية وخرافاتها التاريخية والماضوية. وفي اللحظة يتعاظم فيها خطر الحوثيين وتداعيات بقائهم كقوة نشطة تعمل على تقويض الأمن والسلم الدولي ،والاشتغال ضمن شبكات وخطوط التهريب الدولية على الحدود السعودية ودول القرن الإفريقي ،بذلت المملكة دورا كبيرا في محاربة التهريب بكافة أشكاله والتوعية بمخاطره ما انعكس ايجابا على الحالة اليمنية كواحدة من الصور الايجابية التي تحاصر المد الحوثي وتمنع ايغاله في العبث بالانسان باعتبارها أحد أخطر الجماعات الارهابية بل هي الارهاب ذاته وفقا لتصنيف وزير الخارجية الأمريكي مؤخرا. ربما أدرك لأمريكيون ولو مؤخرا أن الحوثيون باتوا التهديد الأهم لشريان الاقتصاد في العالم وان الاستمرار في التراخي مع هذه الجماعة قد يقوض أهم طرق التجارة العالمية ويخلق تحديات مستقبلية مستعصية وغير قابلة للحل قد يضع الجميع في ورطة حقيقية بالفعل ، فهل حانت لحظة الخلاص من الحوثيين وتأمين طرق التجارة وتنميتها بين الدول ، سيما وان المملكة العربية السعودية واحدة من أهم الفواعل الاقتصادية في العالم وأقرب للتأثر من غيرها بأي تهديدات حقيقية تأتي من الجغرافيا اليمنية كالحوثيين مثلا علاوة على أن اليمن تاريخيا هي طريق الحجيج في جنوب شرق اسيا وشرق أفريقيا ما يؤكد تلك العلاقة الوثيقة لليمن بالحالة الاقتصادية والسياسية للملكة العربية السعودية. بعيدا عن حالة الجدل ازاء دور السعودية حاليا في اليمن وطبيعة العلاقة التي قد تتقاطع أوتلتقي فيها المصالح بين البلدين الا أنها ماهو مؤكد حتى اللحظة أن انها تمضي في خط استراتيجي واضح للعلاقة القائمة على الشراكة والاحتواء والدعم والمساندة وما تقوم به من أدوار معلنه ليست الا غيضا من فيض كثير ، يأتي الدور الانساني الريادي على رأسها وما قامت به المملكة من مشاريع انسانية حتى اللحظة تعد من أهم صور العلاقة الايجابية بين البلدين ولعل مشروع مسام لنزع الألغام في اليمن وحماية الأرواح وتطهير الارض من أدوات الموت واعادة الأمل لشعب أنهكته الصراعات هي واحدة من محطات كثيرة للتعافي التي تشيدها السعودية في اليمن ومهما شاب هذا العلاقة من غموض وأصابها من مد أوجزر فان ذلك النهج الثابت للسعودية في اليمن سيظل ذلك الموقف الذي يتحدى الزمن الموقف الذي يرعى ويشيد ويساند ستجده دائما هناك بارزا يصدقه الواقع وتصدقه الوقائع دورا مسؤولا وحاضرا في الملمات ، حاميا لأواصر العلاقة التاريخية والأخوية والجغرافية ،وحارسا لروابط الدين والتاريخ المشترك