أليست هذه إرادة الله "ولا يزالون مختلفين .."؟. إذاً فلماذا لا يؤمنون بكلام الله وإرادته؟. فحين تختلف معهم -حول فكرة أو قضية سياسية أو اجتماعية أو ثقافية تفترض حتمية الاختلاف، واستحالة التوافق الكلي- يضعونك في مرمى سهامهم وتحت ظلال سيوفهم، فإذا أنت ضال ومضل ومخرب ومسيء، ويجب إسكاتك أو نفيك أو سجنك أو قتلك إتباعاً لهواهم لا استجابة لأمر الله وإرادته. إنها ثقافة خاطئة وقبيحة ومشوهة تربى ويتربى عليها أفراد الجماعة، لتصبح قناعات مطلقة وأحكاماً لا تُقبل المساومة حولها أو يمكن التفريط فيها؛ ولذلك فقدوا المنطق والعقل ووقعوا في أزمة أخلاقية أنتجت أزمات أخرى خطيرة أورثت الأمة العار والبلادة والحقارة في كل مستويات الحياة سياسياً وثقافياً وعلمياً واجتماعياً واقتصادياً. عندما تكون واحداً من الجماعة فأنت -في نظرهم- مَلكٌ من ملائكة الله، وإن كنت فاسقاً أو فاسداً أو نذلاً أو عربيداً، أو حتى كنت ملحداً، لا إشكالية ما دمت تسبح بحمدهم وتسير في ركبهم أو مع قطعانهم دون تفكير أو تساؤل أو اعتراض. ما قبل الأزمة أو ما سموها الثورة كان الرجل الثاني –إن لم يكن الأول- في الدولة (علي محسن الأحمر) من أبرز رموز الفساد عند الجماعة، ويُستشهد في خطابهم الإعلامي بفساده ونهبه للأراضي وتجنيده للآلاف بأسماء وهمية. ولكن ما إن أعلنَ انضمامه إلى ثورتهم وأغدق عليهم بالمال والسلاح حتى أصبح عند المغالين من الجماعة مَلَكاً أرسله الله من السماء لإنقاذ البلاد والعباد من الظلم والاستعباد والفساد. وعند المعتدلين من الجماعة سيف الله المسلول والفاروق والإمام العادل. وعليه، فهو يستحق التكريم والثناء، فكرموه ومنحوه النياشين، ونادوا لجعله تمثالاً في الميادين العامة تقديراً لولائه للجماعة وخدمتهم. وقبل أشهرٍ وحين كان (وزير الدفاع) يسايرهم في بعض المواقف والأحداث التي تخدم توجههم جعلوا منه بطلاً لا يقارع وأميناً في عمله لا ينازع، ووطنياً لا يُشككُ في وطنيته إلا إنسان خائن أو عميل أو نصيرٌ للمخلوع على توصيفهم. ولكن حين رفض اليوم إقحام الجيش في صراع طائفي بين الجماعة والحوثيين شنعوا به وشنوا عليه حملة من الافتراءات ما نالت إسرائيل منهم ولا ربع من هذه الحملة على مدى تاريخها، فإذا هو حوثي وصفوي وخائن وأداة هدم وتمزيق للجيش والوطن. ومثل ذلك نشاهد بين فترة وأخرى آثار المعارك الحامية الوطيس التي يشعلونها ضد السفير أحمد علي، وسلاحهم فيها التزييف والكذب والافتراءات التي تصل أحياناً حد الخرافة، فتارة حدثت مظاهرات عارمة في السفارة اليمنية بدولة الإمارات لغيابه وتقصيره، وتارة أخرى تم العثور على طائرة تجسس في مطار صنعاء تتبع النظام السابق، وتارة ثالثة يتهموه بالتمرد ورفض العودة إلى الوطن لتسليم ما بعهدته من أسلحة، ورابعة لجنة العقوبات الدولية تستدعيه، وخامسة إنه يفكر باللجوء السياسي، وهكذا لا يتورعون في الكذب والافتراء في شهر دوخونا فيه بكثرة قراءة "ألا لعنة على الكاذبين". إن هذه الافتراءات مبعثها الحقيقي إفلاسهم في كل شيء (أخلاقياً ووظيفياً واجتماعياً وسياسياً و...) فكلما تكشفت عوراتهم، وثبت عجزهم وفشلهم أمام الشعب لجأوا إلى تشويه من يعتقدون أنه يحظى بقبول واحترام لدى عامة الشعب لأخلاقه وقيمه ووطنيته. إنهم مفلسون وأغبياء في الوقت نفسه؛ لأنهم يجهلون حقيقةً إن لم يجمع عليها الشعب فالغالبية الساحقة من أبنائه تجمع عليها. وهي أن السفير أحمد علي سلَّم بقناعة مطلقة القوة الضاربة في الجيش (الحرس الجمهوري والقوات الخاصة) مع إيمانه بأنها بيده خالصةً ومؤمنةً بقدراته وكفاءته، ولو أراد أن يخوض بها البحر لخاض. ولكنه آثر سلامة الوطن وأمنه. على حين أن الحديقة المزعومة والصادر بها قرار رئاسي ما تزال في غيبتها الكبرى، ولو كانوا صادقين ووطنيين وعادلين لطالبوا بتنفيذ قرار رئيس الجمهورية احتراماً له ورداً لاعتباره. ولكنه ديدنهم وطبعهم ونهجهم في الحياة، وكيف لك أن تغير طباع جماعة موهوبة في القبح والزيف والبذاءة والإفساد.