ترويج اعلامي للامم المتحدة وصفقات سياسية للولايات المتحدة نبدء موضوعنا بالترويج للامم المتحدة التي طورت منذ الحرب العالمية الثانية تشريعات دولية لحماية الانسانية وحقوق الانسان, كانت قد استخدمت حينها لإدانة المانيا المهزومة ومحاكمة قادتها الاسرى, وياتي في مقدمة تلك التشريعات الدولية القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني. يهتم القانون الدولي لحقوق الانسان بالحقوق الطبيعية للانسان, وينظم العلاقة بين حقوق وحريات سلطات الدولة وحقوق وحريات الافراد في تلك الدولة. وفي حال نشوء اوضاع استثنائية طارئة مثل النزاعات المسلحة يتم تقييد بعض الحقوق والحريات وتستخدم تلك الظروف غالبا لتبرير الانتهاكات الجسيمة للالتزامات الدولية في مجال حقوق الانسان. لذلك ظهر القانون الدولي الانساني الذي يعنى بحماية حقوق الانسان في اثناء النزاعات المسلحة فقط. ناتي الان الى موضوع الجريمة الدولية التي نسمع عنها كثيرا هذه الايام وهي الجريمة ضد الانسانية. هذه الجريمة هي انتهاك خطير لجميع الحقوق الانسانية المثبتة في مختلف المواثيق الدولية وعلى راسها القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان, وغالبا ما تكون الانتهاكات جسيمة في اثناء النزاعات المسلحة والاضطرابات الواسعة. وفي كل الاحوال ضلت الانتهاكات الجسيمة للمواثيق الدولية المعنية بحقوق الانسان بعيدة عن متناول القضاء الجنائي الدولي, فلم نرى محاكمات دولية لمنتهكي حقوق الانسان سواء في حالة السلم او الحرب الا للطرف المهزوم في الحرب او الاضعف في مواجهة الضغوطات السياسية والاقتصادية لإدانته. ففي القرن الواحد والعشرين برزت امامنا نتائج هذا التصنيف الانتقائي للمتهمين بشكل واضح وجلي, واستخدام هذه التهمة لتحقيق اغراض سياسية واقتصادية لبعض القوى الدولية المسيطرة على مجلس الامن الدولي. وحتى نثبت وجهة نظرنا هذه سوف نناقش اهم الامثلة الواقعية على النحو التالي: فلسطين جرح العرب النازف, تعاني منذ عشرات السنين ظلم وجور وعذابات الاحتلال الصهيوني الغاشم, لكنها في السنوات الاخيرة واجهت في غزة البطلة حروب إبادة همجية وحصار قاتل تحت نظر وعلم وسكوت المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بحقوق الانسان والدول الغربية التي تدعي الديمقراطية. حربين صهيونية على غزة دخلت التاريخ لبشاعة وقسوة وهمجية جرائمها التي إهتز لها الضمير العالمي الحي وخرجت شعوب العالم بالملايين في مختلف بقاع الدنيا للتنديد بتلك الجرائم الصهيونية ضد ابناء الشعب الفلسطيني الاعزل وإدانتها ما وضع المنظمات التابعة للامم المتحدة والمنظمات الحقوقية العالمية في وضع محرج لا تحسد عليه إضطرها الى تشكيل لجان تحقيق دولية للتحقيق في جرائم الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني. وثقت شعوب العالم والاعلام العالمي وتقارير لجان التحقيق الدولية جرائم الكيان الصهيوني, فكيف تعاملت الدولة الصهيونية والدول الداعمة لها مع لجان التحقيق الدولية ومع الادانات الدولية ومع القانون الدولي؟ رفضت الدولة الصهيونية إستقبال لجان التحقيق الدولية, وضربت بتقارير الادانة الدولية عرض الحائط مستقوية بالفيتو الاميركي في مجلس الامن والدعم المادي والدبلوماسي والمعنوي غير المحدود الذي يقدمه الاتحاد الاوروبي للكيان الصهيوني في مختلف المحافل الدولية, دون ان نرى المجرمين في قفص الاتهام الدولي وفي محاكمات جنائية دولية كمجرمي الحرب النازيين, بالرغم من ان جرائم الصهاينة تجاوزت جرائم النازية. فلماذا؟ الجواب بسيط كما هو السؤال بسيط وذلك بسبب اعتماد مجلس الامن توجيه التهمة نحو الطرف الاضعف وليس الاقوى. لقد اخذت الدولة الصهيونية والدول الداعمة لها العبرة من دروس ومخرجات الحرب الصهيونية الاولى على غزة عام 2012م, وحضروا جيدا لحربهم الثانية ضد غزة عام 2014م ليتم فيها ارتكاب فضائع جرمية جديدة ضد الانسانية بشكل فاضح وواضح دون خجل او وجل ليصل الامر حد قصف اللاجئين الفلسطينيين في منشاءات الاممالمتحدة والمدارس ورياض الاطفال, كما قصفت دور العبادة ومحطات الكهرباء والمياه والمستشفيات والمرافق الصحية وسيارات الاسعاف والطواقم الطبية ومنازل المواطنين المدنيين وغيرها ولم تستثني النساء والاطفال. فكيف تعاملت الاممالمتحدةوالولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي ومنظماتهم الانسانية والحقوقية مع انتهاكات الدولة الصهيونية للقانون الدولي والمواثيق الدولية؟ 1- اعلن الامين العام للامم المتحدة ورؤساء الولاياتالمتحدة الاميركية والدول الاوروبية الاعضاء في مجلس الامن الدولي اكثر من مرة دعمهم لحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها وسكتوا عن جرائمها التي نقلتها وسائل الاعلام العالمية على الهواء مباشرة ولم يعلقوا على صور الجرائم الصهيونية الفضيعة ضد المدنيين الفلسطينيين الابرياء والعزل. 2- إكتفى مجلس الامن الدولي بطلب عقد هدنة انسانية فقط. 3- كما فعلت في حربها السابقة ضد غزة, رفضت اسرائيل مسبقا لجنة التحقيق الدولية ونددت بها علنا ورفضت مقدما أي نتائج قد تخرج بها. 4- إستغلت الولاياتالمتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي التوجه الدولي الخجول لمحاسبة اسرائيل على جرائمها وانتهاكاتها العلنية للقانون الدولي, لتطالب بتشكيل لجان تحقيق دولية حول جرائم يعتقدوا بانها (جرائم ضد الانسانية) في سوريا والعراق واستثمارها في الدفاع عن اسرائيل وحمايتها. 5- في هذا التوقيت بالذات قامت منظمة هيومن رايتس ووتش بنشر تقريرا لها عن فض إعتصام رابعة في مصر, يدين السلطات المصرية ويتهمها ب (جرائم ضد الانسانية). فما هي مستمسكات الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي ضد العرب التي قد تساعدها في حماية الكيان الصهيوني والتغطية على جرائمه ضد الانسانية في غزة؟ الاجابة على هذا السؤال نجدها: اولا: في تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش حول فض اعتصام رابعة, الذي يوضح بان فض الاعتصام السلمي في مصر بالقوة (جريمة ضد الانسانية) تحدث لاول مرة في التاريخ الحديث على مستوى العالم لانه تسبب في يوم واحد في مقتل 850 شخصا وفي تظاهرة سلمية. هذه الاشارة المتخفية تشير في توقيتها الى مقارنة في العدد والفعل بين الحرب الصهيونية في غزة وبين فض اعتصام رابعة في مصر, وعلى النحو التالي: 1- الاولى قتلت 2000 انسان في 30 يوم والثانية قتلت 850 انسان في يوم واحد. 2- الاولى كانت نتيجة مواجهة عسكرية بين الجيش الصهيوني والمقاومة الفلسطينية والثانية كانت مواجهة سلمية بين الجيش المصري ومتظاهرين مدنيين سلميين. 3- الاولى يرغب العرب والفلسطينيين في محاسبة المسئولين عنها والثانية لن يرغبوا في محاسبة المسئولين عنها. ثانيا: في مطالبة اميركا والاتحاد الاوروبي بالتحقيق فيما يعتقدون بانه (جرائم ضد الانسانية) وقعت في سوريا والعراق. هذا السيناريو تمت كتابته تحضيرا للحرب الصهيونية الاخيرة في غزة, حيث تم على نطاق واسع نشر صور وفيديوهات مروعة لافعال غير انسانية وذبح بالسكاكين والفوؤوس لافراد مدنيين واعدامات بالجملة ودون محاكمات وبطرق غير انسانية وبشعة, وتدمير لاحياء سكنية بكاملها ومساكن لمواطنيين مدنيين ودور عبادة اسلامية ومسيحية ومنشاءات خدمية للماء والكهرباء متزامنة مع (التكبير الاسلامي-الله اكبر) في سوريا والعراق. إضافة الى ذلك الصور المدبلجة لمذابح الاطفال في سوريا والبراميل المتفجرة ضد المدنيين العزل في سوريا واستخدام الكيماوي في الاحياء الماهولة بالسكان. وكما هو الحال مع مصر, كذلك الامر مع سوريا والعراق وايضا في ثورات (الربيع العربي) فالمقارنات سوف تظهر الكيان الصهيوني رحيما بالشعب الفلسطيني في حربه الاخيرة, بل ومظلوما معتدى عليه من قبل الهمجيين العرب في غزة. في الاخير وعلى ضوء ما تقدم فاننا نعتقد بان الصفقات السياسية جاهزة لجعل العرب انفسهم يرفضوا اية محاولة لمحاسبة اسرائيل في المحافل الدولية على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني وانتهاكاتها للقانون الدولي دون أي إعتبار للشرعية الدولية المنحصرة في المهزوم والاضعف. فما رايكم؟