يخطئ من يعتقد ان اليمن على وشك الخروج من النفق المظلم طالما بقي الإصلاح وشركائه والمؤتمر وحلفائه هم من يتصدر المشهد ويتولى قيادة هذا البلد في اطار التقاسم والمحاصصة الحزبية....كل مؤشرات ومعطيات اللحظة الراهنة تؤكد حقيقة مؤلمة تتجلى في ان الوطن ينحدر بسرعة مهولة نحو هاوية سحيقة ،ذلك ما يتبدى – جليا- للمتابع الفاحص للشأن اليمني والقارئ الموضوعي لتطورات وتفاعلات الأحداث والوقائع الدراماتيكية الخارجة عن سياقاتها الطبيعية في اليمن، وما يكتنف المشهد العام من ضبابية وغموض لم تكن في أي يوم من الأيام بمثل هذا التعقيد والاستعصاء على الفهم. واقع الحال أننا نعيش حاضرا تعيسا بائسا مليئا بالمرارات والآلام والمعاناة اليومية ، ففي ظل الانهيار الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة و الفقر وتوقف عملية البناء التنموي والتردي الاقتصادي والأمني والاجتماعي والثقافي والتعليمي والصحي .....تتناسل الأزمات و تتوالى الكوارث والمحن وتتسع دائرة الصراعات والحروب لتشمل اكثر من جهة ومنطقة في الوطن، وبالتوازي مع الخراب والفوضى الشاملة التي تعم البلاد استجدت كارثة اخرى تتمثل في كل هذا الانحطاط والتردي القيمي والاخلاقي والإنساني الذي لم تشهد اليمن له مثيلا على مر العصور . ولا شك بان هذا التراجع المخيف للمبادئ والقيم والاخلاقيات ، لم يكن وليد اللحظة بل هو حصيلة او نتاج طبيعي لحالة تفسخ وتسطح طالت عقليات النخب السياسية والحزبية والفكرية والثقافية وكذا رموز اطر ومكونات القوى التقليدية (القبلية والدينية ). هذه النخب او القوى مجتمعة ،هي من أوصل البلد الى ما نراه من حالة انهيار وفوضى ، هي من حمل - ومازالت - معاول وأدوات هدم وتدمير بنية الدولة وتقويض مداميك ومقومات كيانها ، من خلال سياساتها وممارساتها العبثية وسلوكياتها الهمجية التي تماهت مع نزعاتها النفعية ومصالحها الشخصية الضيقة ، اذ اتجهت عوضا عن الحفاظ على كيان الدولة وحماية الوطن وامنه واستقراه وصون مكتسباته الى اعتبار مؤسسات وهياكل الدولة مجرد غنيمة او فيد، الذكي من يغتنم الفرصة لتحقيق مآربه ، ومن ثم فقد عملت بكل ما تملك من دهاء ومكر وفهلوة للبحث عن الوسائل الضامنة لتحقيق طموحاتها وتلبية رغباتها واطماعها ونزواتها الشيطانية فكان لها ما أرادت في الوصول الى السلطة والثروة بأسهل الطرق عبر ركوب موجة الثورة والتحكم في مساراتها وصيرورتها. كان من مخرجات (الثورة الشبابية) مولود هجين مشوه يتمثل في حكومة بائسة تسمى حكومة الوفاق او بمعنى أدق حكومة المحاصصة الحزبية كنتاج توافقي لمكونات وتيارات سياسية وحزبية وقبلية ، فرضتها ضرورات التسوية السياسية المتمثلة في المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية التي اعقبت الثورة الشبابية المختطفة. الجميع يعرف ان حكومة الوفاق (المشؤومة) لم تكن سوى مزيج او خليط من اتجاهات وتوجهات متنافرة في السر متحالفة في العلن ، ولذا فقد عمدت ومنذ اليوم الأول لتسلمها كراسي السلطة الى انتهاج أساليب وممارسات رعناء وسلوكيات عدوانية ضد المختلف ، ودشنت عهدها الثوري بأولى المهام الانتقامية بعديد من عمليات الإقصاء والإبعاد والإحلال ، اما المهمة الثانية فكانت العمل على ترسيخ وتثبيت اقدام رموزها وشخوصها والاستحواذ على مؤسسات الدولة. ولان زمن الشعارات الثورية كان قد ولى بمجرد تحقيق اهداف تلك القوى في الوصول الى السلطة فقد القت شعارات ومبادئ واهداف الثورة الشبابية جانبا لتتفرغ ببراعة وذكاء غير معهودين للاستفادة من الفرصة التي منحتها إياها الأقدار بشتى السبل غير آبهة بالوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد، فعم الفساد وعظم البلاء وتتابعت الأزمات وتسارعت عمليات السطو ونهب المال العام وكثرت بؤر التوتر والفتن واشتدت سطوة جماعات وعصابات العنف والإرهاب والتخريب ليتحول الوطن الى ساحة صراعات وحروب طائفية ومذهبية وقبلية ومشاريع لا حصر لها. ولأننا في بلد يعج بالمتناقضات فقد تجاهل حكماء وعقلاء البلد كل هذه الفوضى مندفعين بحماس منقطع النظير تجاه تنفيذ تعليمات المبادرة الخليجية بتدشين مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي تمخض عن مخرجات ما تزال حتى اللحظة عبارة عن مشاريع وخطط تنظيرية حبيسة الادراج. لم يدرك الرعاة أو حكماء وعقلاء الوطن اننا قبل مؤتمر الحوار كنا بحاجة الى اطلاق مشروع وطني بداية يستهدف إعادة انسنة رموز وشخوص بعض القوى السياسية والحزبية او القوى التقليدية ممن حالفهم الحظ وخدمتهم الأقدار في الهيمنة والاستحواذ على السلطة والثروة ،ذلك لتهيئة الأرضية الملائمة لإجراء حوار وطني ناجح ، والهدف من اعادة تأهيل تلك الرموز والشخوص انسانيا هو اخراجها من حالة عقد الماضي وكونها تصدرت المشهد بشكل فجائي وللأسف اعتقدت هذه العقليات بأنها صاحبة الفضل الأول في إطفاء فتيل الأزمة وتجنيب دخول البلاد في دوامة لا نهاية لها ،ولأنها لا تحمل مشروع وطني حقيقي فقد فشلت فشلا ذريعا في ادارة مؤسسات الدولة ولم تستطع مجابهة الأخطار المحدقة بالوطن او على الاقل التخفيف من حدة العواصف والأزمات الطاحنة التي يعيشها المواطن على مدار الساعة ، ولعجزها عن تحقيق أي منجز على الارض ولغياب الضمير وانعدام الحس والشعور بما يعانيه معظم ابناء الشعب، فقد وجدت نفسها في وضع بائس طغت عليه المشاعر المجردة من الانسانية ومن ثم العمل لما يحقق مصالحها الشخصية اولا ثم مصالح احزابها وجماعاتها. الشعب اليمني بات يشعر بغصة وألم وحسرة من استمرار هيمنة رموز تلك القوى -بذات العقليات الصدئة والأفكار البالية والسلوكيات اللاانسانية- على مقدراته وثرواته ومستقبله اضافة الى أنها ما تزال من ابرز معوقات التطوير والتحديث وبناء دولة مدنية حديثة لان من مصلحتها- كما يتضح للجميع - بقاء الوضع كما هو. فخامة الأخ الرئيس يدرك تماما فساد وعجز وفشل هذه الحكومة وعدم جديتها في الإصلاح .. وبأنها عديمة الخبرة والكفاءة الإدارية والمؤسسية ، ومع ذلك ما يزال يعول عليها في تحقيق انجاز ما -لا ندري ما هو ولا في اي وقت- متمسك ببند الوفاق وكأنه مقدور على الشعب تحمل هذه الحكومة المفروضة عليه بكل مساوئها وعلاتها .. مقدور عليه ان يتجرع المر حتى تنتهي هذه الفترة العصيبة من حياته بحكومة انقى وانزه واكفأ . نقول لفخامة الأخ الرئيس ان بقاء هذه والحكومة والمسؤولين الفاسدين فيها هو أمر لا يستقيم مع طبيعة الاشياء وليس في صالح الوطن والموطنين الذين لم يكن يهمهم- ساعة خروجهم لانتخابك رئيسا لهم في ال22فبراير2012م- وفاق او اتفاق ، كان همهم الوحيد هو اخراج البلد من الازمة الطاحنة التي كادت ان تقضي على الأخضر واليابس يحدوهم الامل بوطن ينعمون فيه بالأمن والاستقرار وحياة معيشية كريمة تخفف عنهم ما عانوه من الآم وما لحق بهم من مآسي جراء الصراعات والمماحكات بين اقطاب العملية السياسية والحزبية الذين اجادوا مهارات وفنون غير اخلاقية في ادارة اللعبة السياسية والحزبية كان المواطن هو الضحية الرئيسية لتلك اللعبة من جهة تحميله تبعات مشكلاتهم وأزماتهم البينيه. .. دع المبادرة والتوافق جانبا وانظر امامك وخلفك ومن حولك ستجد ان الأوضاع اصبحت مقلوبة تماما ..نحن في عصر الشلل التي تنتشر وتتغلغل وتسيطر على كل شيء خاصة في المناصب والوظائف العليا..الساحة اصبحت مكتظة ومزدحمة بالكثير من المتنطعين هم من حولك وعلى مرمى البصر منك...يعطون مالا يملكون لمن لا يستحقون.. فخامة الاخ الرئيس .. ما ينبغي التأكيد عليه في هذه العجالة هو الأتي : -عدم التهاون في اتخاذ إجراءات صارمة تجاه الفاسدين والعابثين بالمال العام في حكومة الوفاق التي ثبت فشلها بغض النظر عن حسابات التوافق والمحاصصة واصدار قرار بغيير هذه الحكومة بأخرى من الكفاءات المعروفة وممن لم تتلوث ايديهم بالمال العام. - عدم إعارة أي اهتمام بأصحاب النفوذ او مراكز القوى فهؤلاء كما هو معروف عنهم يذبحون المصالح العامة بسكاكين مصالحهم الشخصية . - عدم الاتكاء على أراء ومشورات من انقلبوا على النظام السابق في وقت الذروة وتخلوا عنه في اللحظات الأخيرة فهؤلاء ما يزالون يمارسون نفس الأدوار ولكن بأساليب أخرى جديدة فهم يجيدون اللعب على أكثر من حبل. فخامة الأخ الرئيس انت بحاجة الى طاقم أمين من العقلاء ومن ذوي الخبرة والحكمة والمشورة الصادقة البلد مليئة بهم .. لا تطوق نفسك بتلك الوجوه المكررة من المنتفعين ممن يعرضون بضاعتهم الكاسدة من الأهل والأصدقاء والأقارب ورفاق الحزب او التنظيم الواحد محاولين تجميل صورهم وكأنهم الأكفأ والأفضل .