تثير الاحداث المتلاحقة التي تمر بها اليمن على خلفية فشل العملية الانتقالية ووصولها الى نفق مسدود وانهيار مؤسسات الدولة وسيطرة الحوثيين على مقاليد الامور علامات استفهام كثيرة بشأن الطوفان الذي يظهر اليوم عارما والذي وان كان مصدره الداخل اليمني فان عوامل خارجية عدة كانت محفزة له ودافعة الى خلخلته ووصوله الى مفترق طرق صعب وشائك لا يدري معه احد الى اين سينتهي باليمن وهل سيتحول الى صومال جديد ام الى سورية جديدة؟ ام انه الذي سيصبح عراقاً اخرا؟ ام ليبيا ثانية؟ بعد ان جاءت الاحداث الاخيرة لتغير الكثير من قواعد الاشتباك التي لازمت المشهد اليمني في السنوات الاخيرة الى درجة صارت فيها اوضاع اليمن مفتوحة على كل الاحتمالات بما في ذلك احتمال التفتت والتشظي والسقوط في مستنقع الفوضى التي لا تحكمها ضوابط او خطوط حمراء او صفراء او غير ذلك من الكوابح التي يمكن ان تعيد هذا البلد الى المسار الامن والمستقر. من الواضح ان اليمن قد دخل منعطفاً جديداً وخطيراً يعبر عن عمق الازمة بين القوى المتنفذة القديمة والجديدة وصراعها على السلطة والثروة والنفوذ وان هذا الصراع قد اخذ منحى تراتبياً منذ الاندفاعة الحوثية الاخيرة والتي افضت بهذه الجماعة الى الامساك بكل مفاصل السلطة والقيام بشكل احادي بإصدار ماعرف ب (الاعلان الدستوري) الذي فوضت بمقتضاه (اللجان الثورية) بإدارة شؤون الدولة لمدة عامين وهو الاعلان الذي فتح الباب على مصراعيه لانزلاق اليمن بالكامل في أزمة عميقة كانت متوقعة من كل من واكبوا تطورات المشهد اليمني عقب استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الحكومة مطلع الشهر الجاري وتصدر جماعة انصار الله (الحوثية) لمهمة سد فراغ السلطة باسم (الشرعية الثورية) الامر الذي دفع جميع من حيدتهم تلك الجماعة الى مواجهة ذلك الاجراء بوصفه انقلابا على العملية السياسية والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار والتوازنات القائمة في البلاد والتي من دونها يصعب الحفاظ على تماسك الوحدة الوطنية ولحمة النسيج الاجتماعي. ورغم ان المكونات السياسية قد عادت الى طاولة الحوار بناءا على دعوة المبعوث الاممي جمال بنعمر وذلك بهدف التوصل الى تسوية سياسية تستند الى حل وسط إلا ان ذلك الحوار قد فشل في بلوغ اهدافه بعد ان تأكد ان الماء الذي يغمر المشهد المتورم صار اعمق من كل الافكار التي طرحت على طاولة الحوار ليصحو الجميع على بلد غارق حتى اذنيه بالتصدعات والانهيارات والحرائق الداخلية التى تطايرت شراراتها الى معظم المناطق اليمنية مما حفز محافظات الجنوب على التمرد والانسلاخ عن مركز الدولة وتشكيل جماعات مسلحة لمنع تمدد الحوثيين فيها والتلويح بالانفصال..في حين برزت العديد من الدعوات القبلية والجهوية في محافظات شمالية كتعز ومأرب والجوف تنازع الحوثيين على الحكم وترفض هيمنتهم على اليمن واخطر مافي هذه التداعيات انها التي تأسس لصراع مذهبي طائفي في هذا البلد سيجد له حاضنات اقليمية تغذيه وتسعر نيرانه ولن يكون هناك من مستفيد من هذا الصراع سوى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.. فكما هو معروف ان كل التنظيمات الارهابية تجد نفسها في وسط الفوضى. كان متوقعا ان تبدي دول مجلس التعاون الخليجي قلقها من الاحداث في اليمن وبالذات وان هناك من يرى فيها ان ما جرى في الفناء الخلفي لتك الدول هو جزء من(الهجوم الايراني) الذي يرمي في الاساس الى اضعاف القيمة الاستراتيجية للاعبين المنافسين في المنطقة ولذلك لم نستغرب ان تأتي ردود فعل الدول الخليجية معبرة عن تلك الرؤية التى تميل الى توصيف ما يحصل في اليمن باعتباره استهدافا لأمن واستقرار دول الخليج وتحديداً السعودية التى تشعر ان عوامل الصراع والتنافس الاقليمي والدولي في المنطقة تجاوزت الحدود المعقولة للتنافس المنضبط الذي يعد نمطا معروفا في السلوك الاقليمي والدولي لينتقل الى زوايا حادة تمس منظومة الامن في الخليج لصالح ايران التى تسعى الى فرض سيطرتها على دول هذه المنطقة والهيمنة عليهامن وجهة نظر البعض على الاقل. وامام حالة الارباك التى تعتري المشهد والوضع العام في اليمن يصبح من الثابت ان قواعد الاشتباك قد تغيرت تماما بعد 21 من سبتمبر الماضى وهو ما يجعل هذا البلد مقبل على سلسلة من الافعال والردود الافعال التى قد لا تساعده على الخروج من ازمته وحالته الراهنة اذا انه ومالم تنقذه نخبته فانه ذاهب الى قاع سحيق وهي حقيقة تغدو اكثر واقعية اذا ماعدنا الى تفاصيل المواقف الاقليمية والدولية والتعارض بين هذه المواقف بشأن الاوضاع في اليمن وبالتالي فان الذين ينتظرون موقفا حاسما من المجتمع الدولي او مجلس الامن ربما ينتظرون طويلا فروسيا لن تسمح بازعاج طهران التى تتباهى بما حققته في صنعاء وواشنطن ليست متحمسة لضبط ايقاعات الصراع في هذا البلد لذلك تظهر وكانها غير معنية بالازمة اليمنية طالما ستتكفل ايران وحلفائها الحوثيين بمواجهة عدوها التقليدي تنظيم القاعدة الذي يحتل الاهتمام الاكبر في استراتيجية امنها القومي. وفي هذه الحالة سيبقي اليمن يغوص في بحار هائجة وسط الانواء العاتية حتى يعاد صياغة قواعد الاشتباك في المنطقة على اسس التوازنات الجديدة والى ان يحين هذا الموعد سيظل اليمن وعاء استهلاكي وحقل تجارب ضمن تراجيديا هى الاقرب الى ملهاة الفيلم الامريكي قواعد الاشتباك Rules of Engagment)) الذي تدور قصته حول محاكمة ضابط امريكي اسود كلف بقيادة قوة من المارينز لتحرير اسرى امريكيين احتجزو في السفارة الامريكيةبصنعاء بدعوى انه تجاوز (قواعد الاشتباك) وامر مجموعة الكوماندوز التى يقودها بفتح النيران على جمهور غاضب من المدنيين خارج السفارة ويحاول في محاكمته ان يثبت ان اطلاقا للنار تجاه مجموعته قد حدث في البداية من عنصر مختف داخل الجمهور مما دفع به الى توجيه الامر العسكري باطلاق النار على الجمهور وقتل كل واحد منهم برصاصة واحدة حتى يثبت رجال المارينز من خلال ذلك بانهم قد قاموا بعملهم على اكمل وجه وبدقة متنهية مثل هذه الملهاة يبدو اننا سنرى المزيد منها على ارض اليمن حتى يستعيد ابناء هذا البلد حكمتهم المفقودة والغائبة جريدة الشبيبة العمانية