يدفع اليمن عامة، والجنوب بشكل خاصة، ثمناً باهظاً للحرب التي تدور رحاها على أرضه، تلك الرحى التي باتت تطحن كل مقومات الحياة فيه، ويعيش اليمنيون منذ ثلاث سنوات على أمل وهم الحسم العسكري الذي تضج به وسائل الإعلام الموجه للأطراف المتصارعة إقليمياً ولأدواتها محلياً، ومع مرور كل يوم يزداد اليقين بأن الحرب في اليمن إذا لم تدخل أطرافها الإقليمية إلى غرف الحوار السياسي فإنها ستستمر وقد تتجاوز حدود اليمن لتصل إلى حدود وأعماق الدول المجاورة. إن الحديث عن الحسم لحرب اليمن يجب أن ينطلق من الحضور الطاغي للمؤثرات والمصالح لكل القوى الإقليمية والدولية المتصارعة على هذه البقعة من الأرض، كما يجب أن ينطلق من حقائق خطاب تلك الأطراف التي تشكل المحرك الرئيس لاستمرار عجلة هذه الحرب المدمرة، فالحرب التي اندلعت شرارتها أو بالأصح رمي بعود الثقاب المشتعل في كم هشيمها المتناثر، بدأت تحت مبررات منها الظاهر ومنها الخفي، وكان المبرر الأكثر بروزاً هو حماية اليمن من المد الإيراني، وبالتالي حماية الدول المجاورة أيضاً. في يمن اليوم، شماله وجنوبه، وفي ظل هذه الأوضاع المتردية، يعيش العقل السياسي المتصدر لمشهد الصراع بالوكالة حالة من حالات الارتخاء التي جعلت من التبعية المطلقة في منطقه وسلوكه وسيلة سامية بل ووطنية، وخلقت لدى هذا العقل حالة من حالات الاستعداد للترويج للبيع والتنازل عن كل شيء، بدءاً من إرث الوطن التاريخي وصولاً إلى ثرى هذا الوطن، لتحقيق مكاسب وأهداف تبدو للبعض المتصارع هنا أو هناك أنها مكاسب لروح الوطن المغدور، وعلى الجانب الأدنى ووسط أتباع الأدوات المتصارعة بالوكالة في الشمال والجنوب تتجلى أبشع صور مشاهد الكوميديا المأساوية، حيث انقسم أتباع الأتباع إلى فرق متصارعة حملت على أعناقها رايات الدول المتقاتلة على الأرض اليمنية، وربطت بها الرؤوس وتزينت بها في حلها وترحالها بين مطارات وفنادق تلك الدول، وفي خضم التدافع على حمل رايات دول تدمير اليمن، داست تلك الفئات المترابحة برأسمال الوطن على نسيج راية هذا الوطن بأقدامها، وانقسم عوامها وتباروا في خلق مبررات تدعي أن الوطن إنما يتم تدميره لكي ينصلح حاله ويروق العيش فيه ولكي تعالج جراحات سيادته وحريته، فهناك من هؤلاء العوام من بات مقتنعاً بخطاب الحماية من التمدد الإيراني مع اختلاف الدوافع لهؤلاء الضحايا، فمنهم من تنطلق قناعته مما يراه على الأرض من أحداث تولدت أساساً على هامش معركة الحماية تلك ولم تكن موجودة في الأصل قبل التدخل العربي في اليمن، حين كان الحوثيون محصورين في إحدى زوايا محافظة صعدة، وكانت الأنظمة المتتابعة وقوى النفوذ المتصارعة تعالجهم بدورات دم متفاوتة بلغت ما يقارب ست حروب، حتى اختلفت تلك القوى فتنافست على حمل هذه الفئة المحصورة على ظهور دبابات الجيش الجمهوري لتوصلها معززة مكرمة إلى قصر الرئاسة في صنعاء ومن ثم إلى شواطىء عدن وممراتها الدولية، ومن هؤلاء المقتنعين من ينطلق من مشروعه الخاص الذي أوهمه ضيق أفقه السياسي وقصور قراءته لواقع المعركة على المستوى الإقليمي والدولي بأن مشروعه «الهلامي» التملكي سوف تنمو حدائقه وتخضر بواسطة دماء جيران له ما زال يشاركهم في كيان معترف به دولياً اسمه «الجمهورية اليمنية»، ومن هؤلاء الضحايا من تنطلق قناعاته من أضغاث أحلام راودته ذات حقبة وتوهم معها أنه صاحب الحق وسليل الخلافة ووريثها في الدولة الإسلامية الأولى، ومن هؤلاء الضحايا أيضاً من انطلقت قناعاته من خشيته على «مذهب أهل السنة» ذلك المذهب الذي ضرب أساساً بأياد سنية قبل أن تتحرك إيران بزمن! كل ذلك الانقياد والتبعية وكل تلك القناعات والمخاوف والمبررات تأتي على خلفية الذاكرة العربية المخرومة والتي تشكل الذاكرة اليمنية أوزونها بكل مخاطره، فلو أننا أمة تقرأ وتتابع وتربط بين الأقوال والأحداث لأدركنا أن معركة اليمن قد تم التلويح بها قبل اتخاذ قرارها بوقت طويل من قبل وزير خارجية الإمارات في سياق أحد المؤتمرات الصحافية التي جمعته بنظيره الروسي لافروف ونقلته «فرانس برس» حينها، حيث قال الوزير الإماراتي بعد أن حث دولتي إيرانوتركيا على إنهاء ما وصفها بأعمالهما «الاستعمارية» في سوريا وإشارته إلى عدم الارتياح بشأن تقليص نفوذ دول الخليج العربية في الحرب نصاً: «إذا استمرت الدولتان (ويقصد تركياوإيران) في التدخل بنفس الأسلوب التاريخي والنظرة الاستعمارية فإننا سنستمر في هذا الوضع ليس في سوريا فحسب كما هو الحال اليوم بل في دولة أخرى غداً»! ولو أن المشهد تتصدره العقول السياسية الوطنية والواعية لما يدور حولها لظهرت حقيقة العلاقات الاستراتيجية التاريخية بين إيران، الخصم الافتراضي، ودولة الإمارات العربية (التي تمثل شيخ غفر المعركة على الأرض في اليمن عامة والجنوب خاصة) ولاستحضرت تلك العقول أقوال وزير خارجية الإمارات العربية عبدالله بن زايد في أبريل من العام 2014م حين لخص علاقات بلاده بإيران قائلاً «... إن إيران شريك استراتيجي لدولة الإمارات لا يقتصر الأمر معها على التجارة والعلاقات الإقتصادية فحسب، رغم أهميتها، بل يعود إلى روابط ثقافية وحضارية مشتركة» ختاماً: يتحدث تقرير صدر في سبتمبر 2017م أن الإمارات رغم كل ما تقوم به لا تستطيع الذهاب في المواجهة مع إيران إلى النهاية لعلمها أن لا مصلحة لها في التصعيد نظراً للمصالح التي تربطها بإيران، كما أن الخلاف حول الجزر الثلاث في الخليج لم يكن عائقاً أمام تطور العلاقات بين البلدين، وهو ما يؤكده موقف الإمارات من البرنامج النووي الإيراني، كما أن الإمارات قد شكلت في مرحلة الحصار الذي فرض على إيران ممراً منعشاً من الناحية التجارية والاستثمارات». كل ذلك يعد جرس إنذار بجب أن يفوق عليه العقل في اليمن، والجنوب خاصة، وتتم عليه عملية إعادة ترتيب أولويات العلاقة مع «التحالف» على أساس ندي يحدد ملامح نهاية للحرب ويحترم خصوصية القضايا الداخلية في الشمال والجنوب. ... لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet