وهي تضع نقاباً أسود على وجهها تجلس «رازقي» ذات ال 19 عاماً وبحضنها ابنها البالغ من العمر عاماً ونصف العام لتتلقى دروساً في التربية الوطنية في أحد الفصول الدراسية المصنوعة من القش في ريف محافظة الحديدة، في حين أن ابنيها البالغين من العمر ست وسبع سنوات يدرسان في فصل مجاور. تقول رازقي «تزوجت وأنا صغيرة، واضطررت إلى العودة إلى المدرسة التي كانت تُدعم من منظمة اليونسيف لأن أبنائي يحتاجون إلى مَنْ يراجع دروسهم في البيت، وليس هناك من يقوم بهذا الدور، لأن والدهم يعمل في المزرعة»، وفي الصف الثالث الابتدائي تجلس رابعة وعبير، وكلتاهما زوجتة أيضاً، ولكنهما تحلمان باستكمال تعليمهما حتى يصبحن معلمات في القرية التي جميع بيوتها من القش. داخل الفصل الصغير يتكوم 16 طالباً، فيما المعلمة التي تغطي وجهها وكفيها بالأسود، وهي واحدة من بين أربع معلمات يحصلن على رواتب شهرية من الحكومة، فيما أخريات يعملن بدون أجر، وتقول «نضطر بعض الأحيان إلى جمع طلاب فصلين في فصل دراسي واحد لعدم وجود معلمات، زميلاتي يعملن بدون أجر منذ خمس سنوات وبعضهن تركن العمل لأن وزارة التربية لم توظفهن». قبل عشر سنوات دعمت منظمة اليونسيف بناء ثلاثة فصول من الطوب الاسمنتي إلى جانب فصول القش، وقدمت دعماً مالياً للطالبات، بهدف استقطاب عدد أكبر من الأطفال للالتحاق بالتعليم، لكن المشروع انتهى الآن، وباتت المدرسة مهددة بالإغلاق، وفق ماقالته المعلمة فتحية قاسم. وتضيف: معلمات كثيرات تركن العمل في المدرسة بسبب عدم وجود راوتب شهرية، وفضلن العمل في المزارع بعد سنوات من التطوع. وتقول فرح فوز المسئولة الإعلامية في مكتب اليونسيف في الحديدة: فكرة بناء المدرسة كان هدفه استقطاب أكبر عدد من الأطفال، ونحن نسعى للبحث عن شركاء للحفاظ عليها وتطويرها. أما يوسف قاسم مسئول التعليم في المنطقة فيقول: «كان هناك دعم من اليونسيف فحدثت نهضة في التعليم داخل المدرسة، لكنها تراجعت بعد توقف الدعم، وأضاف: «إذا استمر هذا الوضع فإن المشروع سيفشل، فليس لدينا ما نفعله، فالنقص كبير جداً في المعلمات، والناس يرفضون رجلًا ليعلم بناتهم». وعلى خلاف الوضع الذي تعيشه هذه المدرسة، تبدو مدرسة الوحدة «الصديقة للطفل» في منطقة الزيدية 70 كيلومتراً إلى الشمال من الحديدة كمدرسة نموذجية، بعد أن تحولت مبانيها من القش إلى مبنى حديث من الحجر على نفقة الحكومة اليمنية، واستمر دعم اليونسيف للطلاب فيها. في ساحة المدرسة تمارس الطالبات، وهن منقبات، لعبة كرة القدم، وقد توزعن إلى فريقين، كما أن فيها معملًا للأشغال اليدوية، وساحة مزروعة بالأشجار، وتمتلك مولداً للكهرباء، وتقول مسئولة الإعلام في مكتب اليونسيف «ندعم المدرسة لمدة ثلاث سنوات بمبالغ لترميم المبنى ودعم الأنشطة الطلابية، وندرب المعلمات والمعلمين ونوفر الأدوات الخاصة بتعليم الأطفال، كما أن لدينا فريقاً للإشراف والمتابعة على تنفيذ البرنامج». عبدالله أبو الغيث مدير المدرسة يعيد أسباب نجاح المدرسة « إلى الدعم الذي تحصل عليه من اليونسيف». لكنه يشكو العجز الكبير في المعلمين المؤهلين «لدينا معلم واحد حاصل على شهادة جامعية، والبقية دون ذلك». وتبين إحصاءات منظمة اليونسيف أن 43% من الإناث في محافظة الحديدة لا يلتحقن بالتعليم العام، وتعود أسباب هذا التدني الكبير إلى جملة من العوامل، من بينها عدم وجود مدارس قريبة من التجمعات السكانية، والعجز الكبير في أعداد المعلمات، وحاجة الأسر للإناث للعمل في المزارع لمواجهة متطلبات الحياة المعيشية للأسرة. *البيان الاماراتية