لقد استبشر الكثير من المناضلين التقدميين والتحرريين في الوطن العربي بتكليف السيد جمال بنعمر، صاحب التاريخ النضالي في المغرب، بمهمة ممثل الأممالمتحدة لإخراج اليمن من أزمته النضالية، واعتبروا أن الرجل مؤهل بحكم ثقافته الأصلية لأن يلعب دوراً إيجابياً في تفهُّم مطالب الشعوب وحركتها. وبقي الكثير من هؤلاء المستبشرين مصرين على تفاؤلهم بالرجل، رغم العديد من الملاحظات التي كانت تصلهم وتقول لهم إن بنعمر اليوم هو غير بنعمر الذي تعرفون أو تسمعون عنه، وإنه قادم إلى اليمن لتنفيذ "أجندة غربية" تسعى في الشكل لحل الأزمة اليمنية، لكنها في المضمون تسعى لإدامة الصراع في اليمن ولإدخال البلاد في نفق دموي كان اليمنيون، وهم حاملو سلاح بالأصل، حريصين على عدم الدخول فيه منذ بدء حراكهم الثوري. اليوم فاجأنا مجلس الأمن بفرض عقوبات على الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، واثنين من قادة حركة أنصار الله، ويبدو أن القرار- على الأغلب- جاء باقتراح من السيد بنعمر الذي بات يتصرف كوصيٍّ على الجمهورية اليمنية ورئيسها. أيّاً كان الرأي في السياسات والممارسات التي اعتمدها الرئيس اليمني السابق خلال وجوده في السلطة، أو بعد خروجه منها، ومع معرفتنا أن بين اليمنيين العديد من الشخصيات والأحزاب والقوى، التي تربطنا بها علاقات وثيقة، من له اعتراضات شديدة على الرئيس صالح، وعلى حركة أنصار الله، ولكن ما لفتنا في قرار مجلس الأمن عدة أمور: 1- أن مجلس الأمن قد تحوَّل إلى أداة صراع داخلي في الدول العربية، بل إلى محكمة تصدر عقوبات بحق هذا الشخص، أو تمنح براءة لذلك الشخص، وهو أمر يخالف أصلاً ميثاق الأممالمتحدة الذي يحدد صلاحيات مجلس الأمن ودوره، كما أنه انتهاكٌ واضحٌ للسيادة الوطنية للدولة المعنيَّة، وتدخُّلٌ سافر في شؤونها الداخلية. 2- إذا كان مجلس الأمن قد استخدم مراراً، وأخيراً في ليبيا وكاد يستخدم في سوريا، كأداة لتبرير العدوان الخارجي على دول ذات سيادة، فإن تحوُّلَه إلى أداة لإصدار عقوبات بحق مواطنين، وبشكل يتجاوز الدول نفسها وقوانينها، هو أمر خطير ينبغي التصدي له، بغض النظر والمبررات. فكما يرفض أبناء الأمة وأحرار العالم كلَّ تدخل أجنبي في شؤون أي بلد عربي، فمِن الأولى أن يرفضوا أي تحويل لسلطة المنظمة الدولية إلى سلطة صاحبة الحق في ملاحقة المواطنين في هذا البلد أو ذاك. فتلك سابقة خطيرة لا يمكن القبول بها. 3- إن صدور قرار مجلس الأمن بفرض العقوبات على قادة يمنيين مؤثرين في الساحة اليمنية، بدليل الحشود الشعبية المناصرة لهم، تزامناً مع الإعلان عن تشكيل حكومة يمنية جديدة بعد تفويض كامل لرئيس الجمهورية والحكومة بتشكيلها من كل الأحزاب، بما فيها المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه صالح، وحركة أنصار الله التي استُهدف اثنان من قادتها بقرار مجلس الأمن، إنما يثير شكوكاً حقيقية في ما إذا كان هذا المجلس ومعه الممثل الأممي في اليمن، يريدون فعلاً حل الأزمة اليمنية أم يريدون إطالة أمدها حتى تشرع الأبواب أمام مخططات الفتنة والتقسيم والتدمير الشامل في اليمن على غرار ما نرى في بلدان أخرى. ولعلها من المفارقات المضحكة المبكية أن كل ما شهده اليمن في الأسابيع الماضية من تمدُّد لنفوذ حركة أنصار الله، وهو تمدُّد أثار مخاوف متعددة ومشروعة داخل اليمن وخارجه، إنما تم بصمت وربما بتشجيع من السلطات القائمة، خصوصاً أنه تُوِّج باتفاق سياسي شامل من جهة، ومن ثمَّ بتفويض إجماعي لرئيس الدولة بتشكيل حكومة من قبل الحركة وكل القوى اليمنية. فكيف يكون صالح وقادة أنصار الله شركاء في السلم ثم أهدافاً لعقوبات دولية. التفسير الوحيد لهذه المفارقة أن هناك إرادة دولية، وطبعاً إقليمية، تريد للأزمة اليمنية أن يطول أمدها، وأن يدفع شعب اليمن العظيم ثمناً غالياً عبر الإصرار على فتح كل الملفات. إن شرفاء الأمة وأحرار العالم الذين تصدّوا لكلِّ تدخُّل أجنبي في أيِّ قطر من أقطار الأمة، والذين قاوموا كلَّ عدوان أجنبي استعماري أو صهيوني مدعوون لكي يعلنوا رفضهم لهذا التدخل السافر في الشؤون الداخلية لبلد عربي شقيق، أيّاً كانت ملاحظاتهم على سياسات الرئيس صالح أو ممارسات أنصار الله .فلا شيء يبرر التدخل الأجنبي أو العدوان الاستعماري، لأنه مهما كان الوضع سيئاً قبل هذا التدخل فإنه سيصبح أسوأ بعده. هذا قانون المرحلة، بالإذن من مجلس الأمن، ومن السيد جمال بنعمر، الذي يبدو أنه يتصرف كرئيس لجمهورية اليمن.. ولكنه على ما يبدو، أيضاً، أنه لم يفهم بعد أن اليمن ليس بلد الرمال المتحركة فقط، بل بلد الزلازل التي تتغيَّر معها كل الموازين، وكل يوم أحياناً.