حكاية ايران مع العرب لم تعد مجرد حرب كلامية تدور رحاها على صفحات الصحف والمحطات الفضائية، بل تعدت ذلك إلى حرب حقيقية تدور على الأرض يشهد بها الواقع في العراق ثم لبنان وغزة وأخيرا وربما ليس أخرا اليمن، إيران تريد أن تصدر مشاكلها إلى الخارج وتبسط سيطرتها ونفوذها على دول محورية. لنبدأ من الداخل الإيراني لأن ما يحدث في الداخل من معارضة قوية للنظام الحالي، في أعقاب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة لا تخطئه العين، خاصة أن الأمر وصل إلى حد إعدام اثنين من الإيرانيين من بين تسعة حكم عليهم بالإعدام بسبب ما قيل عن دورهم التحريضي في مظاهرات ضد فوز الرئيس الحالي محمود احمدي نجاد. كشف النظام الإيراني عن وجهه الآخر، حتى إن بعض رموزه انقلب عليه، ولعل تصريحات حسين موسوي بأن الدكتاتورية الدينية هي أسوأ أنواع الديكتاتوريات القائمة، دليل إدانة لهذا النظام،من رجل ليس غريبا عنه، فقد شغل منصب رئيس الوزراء لأربعة أعوام، وكان جزءا من الحوزة الدينية الحاكمة من بداية ولاية الفقيه في عهد الإمام الخميني، وبات الآن أحد أقطاب المعارضة، مشيرا إلى أن هذا النظام كمم الأفواه، وملأ السجون، وأغلق الصحف، ومارس صورا بالغة الوحشية من العنف إلى حد إطلاق النار على الشباب في مظاهرات سلمية. لقد وضع النظام الإيراني نفسه في موضع لا يحسد عليه، لأن هذا التطور قد يدفع المعارضة إلى الخروج مجددا إلى الشوارع في الذكرى الحادية والثلاثين للثورة، لأنهم ضاقوا ذرعا بممارسات الحكم فتحولت المعارضة إلى حركة سياسية رافضة لنظام الملالي الحالي. لم تجد إيران إزاء هذا الوضع بدا من تدعيم تدخلانها خارج الحدود، من منطلق إسلامي يؤكد على إعادة الحقوق العربية، وتحرير فلسطين، ونجحت إيران في تسويق هذه الفكرة، وأعطت لنفسها الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. مظاهر هذا التدخل اتضحت في غزة من خلال علاقاتها الوثيقة بحماس، كانت معركة غزة أساسا تهدف إلى إضعاف دول محورية وتحديدا مصر والسعودية، وقبلت حماس باللعبة ورضيت أن تكون أداة في يد إيران غير مدركة أن إضعاف مصر والسعودية يصب في نهاية المطاف في مصلحة إسرائيل وظهرت مصر عاجزة عن ضبط حدودها تحت ذريعة نزوح أهلنا في غزة إلى الأراضي المصرية. جمعيات المجتمع المدني، دانت السلوك المصري حين أطلق حرس الحدود المصري النار على المتسللين من غزة، ووقعت الحكومة المصرية تحت الضغط الشعبي فيما يخص التعامل مع غزة، وغصت الصحف المصرية بعشرات المقالات التي تهاجم مسلك الحكومة المصرية، في مقابل عدة مقالات تؤيد حق مصر في الدفاع عن حدودها، وعدم التهاون في انتهاك سيادتها على حدودها، وبالفعل تراجعت الحكومة المصرية تحت تأثير الضغط الشعبي، وكسب النظام الإيراني الجولة داخل مصر وفي صحفها وإذاعاتها المرئية والمسموعة. عجزت مصر، كالعادة، عن التعامل مع الأزمة التي كتبت لها إيران السيناريو ونفذته بدقة عبر حماس، وتراجع صوت من تحدثوا عن حق مصر في الدفاع عن حدودها، وبرزت إلى الواجهة عناوين مثيرة، من قبيل مقاومة المشروع الأمريكي الصهيوني، وباتت إيران هي المنقذ الذي سيحرر فلسطين لكن هذا الشعارات باتت مجرد شعارات فارغة حين أقدمت إيران على دعم الحوثيين ويبدو أن إيران تريد تحرير فلسطين عبر الحدود مع السعودية. الرسالة نقسها أرادت إيران إيصالها للسعودية إذ استخدمت سيناريو حماس نفسه مع مصر، لكنها استبدلت حماس بالحوثيين في صعدة الذين تدفقوا على الحدود السعودية في أوائل نوفمبر الماضي، فأخذت السعودية تدك معاقلهم دفاعا عن سيادتها إلى أن أعلنوا مؤخرا الانسحاب من الأراضي السعودية بعد أن عرضت الحكومة اليمنية على الحوثيين هدنة من ستة شروط لوقف القتال بين الجانبين. لقد اثبت السعوديون أن التهاون في مسألة الحدود مرة واحدة يجعل انتهاكها مرات عديدة أمرا يسيرا وخصوصا، وان الأخطر في الأمر أن يتحول الشريط الحدودي الملتهب بين اليمن والسعودية إلى ملاذ آمنٍ لأفراد القاعدة المطلوبين للأجهزة الأمنية السعودية واليمنية، وكذلك اللاجئين غير الشرعيين من الصومال، خاصة أن هناك أحاديث عن مشاركة سعوديين ويمنيين من تنظيم القاعدة في الحرب الدائرة بين القوات اليمنية والسعودية من ناحية وجماعة الحوثي من ناحية أخرى. الانفلات الأمني في صعدة يغري أعضاء التنظيم بالذهاب إلى المعركة، بهدف المشاركة في القتال أو التدريب على الأسلحة في منطقة خارجة على السيطرة الأمنية، ما يعزز قدراتهم فيقومون بعمليات إرهابية ضد المصالح الغربية على الرغم من استغلال السلطات الأمنية اليمنية للخلاف المذهبي بين القاعدة والحوثيين واستخدام كل طرف ضد الآخر للتخلص منهما معا. ويبدو أن الحكومة السعودية استفادت واستخلصت العبر من حرب غزة الأخيرة وأبدت تصميما على طرد الحوثيين من أراضيها من دون قيد أو شرط ولم تعد القضية إذن حربا كلامية، وعلى العرب التفكير بجدية في مواجهة التحدي الإيراني ومن قبله التحدي الإسرائيلي كي تنعم المنطقة بالأمن والاستقرار.