لم يزل واقفاً كطود حضرمي أصيل النبت عميق الجذور، يرتحل في صفاء أيامه الماضيات، يسبح في فضاء ذكرياته الخاليات، منذ كان تلميذاً يافعاً بمدرسة الجماهير حاليا- الغربية ساعئذ، وهو يرنو إلى النبوغ ورفع الهامة وخوض الصعاب، يومها أخذ بيده أحد معلميه الأفذاذ ليهمس له في مسامات عقله الصغير أن ستكون عملاقاً في الألعاب الرياضية، فبنيتك يا ولدي تعطيك أكبر من سنين عمرك الغض الصغير، كان حديث (سيف) العيقة الممتد بين ضفتي (مقهى مضيس وشرج باسالم) القناة البحرية (الخور) اليوم، ظلت الموهبة الصغيرة حاج سليمان بامقنع – أطال الله في عمره – يتنقل كالفراشة من كرة القدم كحصن صاد للأهداف إلى مسابق للريح في لعبة الجري إلى مبارز في لعبة الملاكمة إلى فارس بجواد أصيل في ألعاب القوى والساحة جميعها، لم تقف قدراته وإمكاناته ومهاراته عند حدود، وكبر الفتى حاج وكبرت معه أحلامه الصغيرة وتنقل من نشاط إلى نشاط ومن مدرسة إلى أخرى، لتعانق ذكرياته صورته في منتصف سبعينيات القرن الماضي يوم وجدنا أنفسنا على مقاعد الدرس بثانوية المكلا للبنين، عانقنا ملامحه الأسطورية وتغلل فينا حلم نتغياه في سنواتنا القادمة، فهو الطود الجسدي المتناسق الأجزاء – طولاً فارعاً وبنية قوية وروحاً طفولية لا تخطئها العين – كان معلماً لحصص التربية البدنية التي جعل منها مختبراً حقيقياً لاكتشاف المواهب المبدعة في فنون ألعاب الساحة والقوى، مال كثيراً إلى النشاط الميداني وترجمه واقعاً ملموساً من خلال التفرد الكبير والتميز البديع لاحتفالات الثانوية بعيدها السنوي، إذ نجح بما يختزنه من صدق وعشق لمهنته وملكاته الرياضية أن نثر أريج تلك الألعاب (ألعاب الظل والشهرة) ك(القفز بالزانة، ورمي القرص، والجلة، والوثب العالي، والجري، اختراق الحواجز، والمصارعة، وشد الجبل) وغيرها من الألعاب الماراثونية في أولمبياد مدرسي مصغر يبقى حديث الناس والمدينة حتى عيدها السنوي القادم. حاج سليمان بامقنع خلايا عقله وذرات روحه لا تنفك تتمسك بتاريخها الرياضي المدرسي المجيد كحلقة مهمة من حلقات حياته الرياضية السامقة ومواضع حضوره الباذخ في تاريخ الرياضة الحضرمية برمتها في الخمسين عاماً الماضية، لم يزل يحتفظ بصفاء الروح وفولاذية الإرادة، وإن لامسها وجع يومي من راهن لا يقوى على احتماله وهو يحاول أن يتجاوز منغصاته بإعادة رسم ملامح ذلك الماضي الجميل وترتيب أوراق العمر وصور الأصدقاء، عندما تحاول الاقتراب من يوميات حياته وعمره المديد – إن شاء الله – يدهشك بما لديه من كنوز معرفية وخبرات عملية وبطولات واقعية صانها زمناً فصارت معارف ومهارات علمية ومهنية تؤسس لعودة الروح لكثير من تلك الألعاب التي اختفت من حياتنا الرياضية المدرسية خاصة والاجتماعية عامة. حاج سليمان بامقنع ابن مدينة المكلا وروابي خلف منها تاريخ يسير على الأرض ويرنو إلى السماء التي طرزها خلال مشوار حياته الرياضية بالكثير من النجوم التي لم نكن في هذه العجالة إلا قابضين بواحد منها لعلنا نرتقي به ومعه إلى صفاء روحه وسماء أيامه التي تزداد لمعانا وضياء كل يوم، فسلام عليك عزيزي حاج سليمان بامقنع هرم رياضة حضرموت المدرسية، وعلى صحبك ورفاق دربك الكبار الرائعين.
*مقال نشر في نشرة ( أخبار التربية العدد 32) أبريل 2012م