مأرب.. دفعت باليمن السعيد إلى عمق الحضارات القديمة.. ورسمت بريشة الإنسان العملاق اسم "السعيدة" وسط خارطة التاريخ لمزاحمة البابليين والأشوريين والإغريق.. هي صلصال الفكر الأول، ومهبط الاستثناء الدائم.. شعاع أمل متجدد وفرحة متدفقة بامتداد الوطن.. أياد معطاءة تنسج من وهج الشمس – كل صباح – أباريق طمأنينة ونفخة روح وثابة باتجاه المستقبل.. تلك هي مأرب الأكبر شموخاً وعنفواناً من كل الأشياء.. لا يسعنا سواها، ولا نطرب لسماع أهازيج وزوامل غير حشرجات حناجر أهلها على مدار العشق المستمر، وصولاً إلى آخر مدى التكوين ومدارات الشغف.. انتصبت مأرب في قلب الثورة الشعبية شامخة في وجه كل الذين صنعوا آلامها، واستخدموا القسوة أمام الروعة.. تناضل أرض الجنتين من أجل الحصول علىحقها من العرفان والوفاء، بإسقاط كل أولئك الذين تمادوا في الغطرسة وسلب الحقوق.. وجعلوها بؤرة للشماتة وتصفية الأحقاد والحسابات. عشرة أشهر من الإصرار والصمود والثورة الشبابية الشعبية السلمية في شهرها العاشر .. يبدو أبناء مأرب أكثر إصراراً وعزيمة على السير في ركب التغيير حتى تحقيق كامل أهداف ثورة فبراير، غير عابئة بكذب النظام ودجل عبده الجندي وحديثه عن أنها خالية من أي ساحة تسعى لإسقاط النظام ، ويأمل الشباب المعتصمين بساحة الحرية أن تساهم نضالاتهم وتضحياتهم في إسدال الستار على عقود الحرمان وسنوات البؤس والإقصاء والتهميش التي عانت منها حاضرة سبأ في ظل نظام مصاب بسرطان الفساد والنهب المنظم للثروات، ومجتمع عاش طويلاً في سبات عميق وخضوع مذل ورضوخ مهين لسيطرة الأشاوس وسطوة عتاولة الفساد، قبل أن تشعل ثورة الشعب فيها روح الحماس الذي تقرأه في عيون شباب التغيير بساحة الحرية. لم تمنح السلطة العائلية محافظة النفط والغاز أكثر من حملات المداهمة ووسائل التحريش.. وكان المجتمع في السنوات الماضية لا يملك غير استجواب الألم وسرد تفاصيل الظلم ، وكانت النخبة يعتريها الخجل من ذلك الوضع على مدار القهر.. وبين هذا وذاك تضاءلت إمكانية النهوض ب"مأرب" نتيجة تراكمات المراحل السلبية..غير أن الوضع الثوري الراهن وبعد انخراطها في ركب ثورة التغيير ساهم في إعادة بناء التفكير الجمعي، وتحديد رؤية واضحة لم تخرج عن مسار "بناء يمن جديد" تحولت مشاعر الاستياء والسخط في نفوس المأربيين، إلى مظاهر جرأة جماعية تنتزع الحقوق ولا تستجديها من خلال حركة ميدانية وحضور جماهيري وقوة ضغط شعبية ستخرج معها في القريب العاجل أحلام المقهورين إلى حيز الوجود. الثورة الشعبية السلمية أذهلت العالم يقول الشريف عبد الكريم بن حمد حيدر القيادي في ملتقى مأرب أن ثورة الشباب السلمية نقلت صورة الشعب اليمني الحضارية وكشفت الوجه المشرق لليمن السعيد، وقد حققت نجاح أذهل العالم وعكس تلك الصورة التي يحق لنا أن نفاخر بها بين كافة دول العالم ، وبالرغم أن الشعب اليمني يمتلك ملايين القطع من الأسلحة بمختلف أنواعها، فقد استطاع الشباب الحفاظ على سلمية الثورة من الإنجرار إلى مربع العنف، وهذا الأمر دليل على أنه شعب عظيم وحضاري ومسالم وأن وجود هذه الأسلحة هي لأعداء الشعب والذود عن أرضه وكرامته من الغزاة الخارجيين وأثبت عكس ما كان النظام يروجه ويراهن عليه ويخوف به الداخل والخارج. وأضاف الشريف وهو عضو الجمعية الوطنية لقوى الثورة السلمية أن هذه الثورة أظهرت ما كان يعرف عن شعبنا من عادات وتقاليد حميدة وأثبتتها على أرض الواقع من شجاعة وشهامة وكرم، ثم إنها كسرت الحواجز من كل فئات المجتمع ومناطقه، وجعلتهم يعيشون كأسرة واحدة، كما حطمت حواجز الخوف من الاستبداد والقهر الذي مارسه النظام ضد الشعب لعقود طويلة وأحيت في نفوسهم حق التغيير وأنه ليس مستحيلاً طالما توفرت الإرادة القوية، مشيراً إلى أن القبيلة ظهرت مدنيتها وبرزت حقيقتها المتحضرة من خلال تخليها عن أسلحتها وصراعاتها واندماجها في النضال السلمي واستعدادها الكامل للقبول بالدولة المدنية الحديثة وأن ما كان يروج عنها سابقاً ليس إلا جزء من عبث هذا النظام بالشعب وأنها أحد ضحاياه الذي كان يشجع فيها الثارات والصراعات ، وقد شعروا أن الثورة الشعبية المخرج الوحيد من سلبيات الحياة الماضية والدخول لحياة حرة وكريمة..وأكد بن حيدر أن محافظة مأرب أبرز ضحايا هذا النظام ، وأنها أول من شرب كأس الثارات والصراعات التي يغذيها النظام ... وظهر هذا النظام على حقيقته لدى أبناء محافظة مارب قبل قيام هذه الثورة وكانت محاولاته لإذكاء الصراع أثناء الثورة فاشلة لمعرفتهم السابقة بأساليبه الماكرة والتي ظلوا يعانون منها طوال فترة حكمه، ويمكن الإشارة إلى أن أبرز الفوائد التي اكتسبتها المحافظة وأبناءها الذين يعيش أغلبهم في صراعات وثارات أنه منذ أن قامت الثورة لم تسجل أي حادثة ثأر أو محاولات لذلك ولا أي صراع ،وإنما كان هم الجميع هو نجاح الثورة ورحيل النظام الذي طالما عانوا منه خلال العقود الماضية من الحكم.