رغم النداءات الكثيرة والمتكررة التي يطلقها المغتربون اليمنيون في المملكة العربية السعودية، ورغم مناشداتهم عبر وسائل الإعلام المختلفة، ورغم اتصالاتهم مع الوزارات المعنية بشئونهم في اليمن إلا أن كل ذلك لم يجدِ نفعا، ولم تستطع حكومة الوفاق الوطني أن تحل مشكلة واحدة من مشكلاتهم، بل إن تدخلها زاد من معاناتهم أكثر، وذلك لتباين المواقف السياسية بين البلدين، في قضايا كثيرة، أهمها وأكثرها إثارة قضايا الحدود وقضايا استغلال الثروات في مناطق الحدود المتاخمة لمحافظة الجوف اليمنية. وكما هو الحال في تنازع الاختصاصات داخل أجهزة الدولة في اليمن، فإن وزارة الخارجية اليمنية ووزارة المغتربين لم تستطيعا منذ وقت مبكر تقديم ما يمكن أن يضع حدا لمعاناتهم ومنع استغلال ظروفهم من قبل كفلائهم ومن قبل السلطات الأمنية في المملكة، وذلك بالتواصل الجاد مع الحكومة السعودية، عبر القنوات الدبلوماسية المتعارف عليها عالميا، ووفقا للاتفاقيات المبرمة بين البلدين وللأعراف الدولية المتبعة في هكذا ظرف.
ومع ذلك الفشل، وإحساس الجانب السعودي به، يتمادى الكفلاء في تحميل العمال اليمنيين مبالغ مالية لا يستطيع المغتربون اليمنيون الوفاء بها بالاعتماد على تدني أجورهم، الأمر الذي قد يدفعهم لمغادرة المملكة والتنازل عن الكثير من حقوقهم لدى الغير، فيما يضطر آخرون للاستدانة والإيفاء بما يطلب منهم من مبالغ مالية لا يستطيعون الوفاء بها إلا بعد سنوات.
إلى ذلك، تمارس سياسة التضييق على العمالة اليمنية بطريقة يتهامس بها أغلب السعوديين، بل ويجاهر بها الكثير منهم، حتى إن الكثير من السعوديين يقولون بملء أفواههم: اخرجوا من بلادنا، فلم نعد نطيقكم!! وقد عمل صمت الأجهزة الأمنية، حيال الممارسات الخاطئة تجاه اليمنيين من قبل بعض شذاذ المجتمع، على التمادي في سوء المعاملة وتحولها إلى سلوك شائع.
يرجح المغترب اليمني أبو مروان (53سنة) أن الإعلام السعودي مارس بطريقة فجة ولأكثر من عامين إشاعة الأخبار السيئة المصطنعة والملفقة ضد المغترب اليمني المشهود له بالنزاهة؛ ما دفع المواطن السعودي -الذي يتحسس لأبسط الأمور الأمنية- إلى التوجس من المغترب اليمني والاندفاع إلى التخلي عن خدماته واستبداله بالعمالة الأسيوية، هذا فضلا عن أن قضايا سياسية مشتركة بين البلدين -سبق الإشارة إليها- أسهمت كثيرا في تنامي ذلك التوجس وتحوله إلى سلوك ملموس.
ويضيف أبو مروان، أن صديقا له تعرضت له دورية سعودية وهو في أحد شوارع المدينةالمنورة واشتبهوا بأنه من الباعة الجائلين، فأخذوه إلى السيارة وعاملوه بطريقة سيئة، لأنه حاول -فقط - مخاطبتهم بعزة نفس ودون تذلل، ولما تبين لهم أنه مقيم وبطريقة شرعية أخلوا سبيله، ولكن بعدما أخذوا منه مبلغ 1300 ريال سعودي.
وفي الطائف، يحكي أبو ناصر(36سنة) إقدام مواطن سعودي، يوم السبت الماضي 8/6/2013م، على طعن مغترب يمني من محافظة إب، يعمل في محل أحذية، واسمه وليد محمد عبدالله، على خلفية رفضه إرجاع سلعة ابتاعها ذلك الموطن، وذلك في سوق العنجري في هذه المدينة، ثم قامت الشرطة بالتحقيق في الأمر واستدعت أربعة من أقرباء المصاب بغرض حل الموضوع وديا، لأن الجاني يعمل ضابطا في جهاز المباحث الجنائية، وتجري الآن مساومتهم بالتنازل عن القضية تحت تهديد الترحيل من أراضي المملكة، ودون أي جناية أو محاكمة أو حقوق، فيما المجني عليه ما يزال يعاني آثار الطعنة ولم يقدم له أي نفقات علاجية أو أي التفاتة من قبل الجاني.
في برنامجه "قضايا..كم" التقى المذيع عبد السلام الشريحي في قناة السعيدة -هذا الأسبوع- واحدا ممن لاقوا مرارة المعاملة والظلم من قبل السلطات السعودية والتي كان نهايتها تركه لكل حقوقه في المملكة وضياعها، في ظل سوء المعاملة التي لاقها وتخلي الخارجية اليمنية عن واجباتها تجاهه وتجاه الكثير من المغتربين اليمنيين الذين يعانون من ظلم الكفلاء وقسوة الأجهزة الأمنية في تعاملها مع اليمنيين على وجه الخصوص.
وجدير بالذكر أن قناة السعيدة كانت القناة الأكثر تفاعلا مع قضايا المغتربين اليمنيين في المملكة في أكثر من برنامج فيها، لكن الأمر كعادته لم يحرك ساكنا في هذا البلد، بل زادت الأمور سوءا، خاصة خلال الشهرين الماضيين، مع بلوغ حالة التأزم غير المعلنة بين البلدين، وتفاقم النظرة الحاقدة تجاه المغتربين اليمنيين تحديدا.
أحد المبعدين نهاية الشهر الماضي، يقول بعد وصوله اليمن: إنه لم يعانِ سوءا من المواطنين السعوديين طوال فترة اغترابه التي استمرت عامين متواصلين؛ بل إنهم كانوا يعرفون أنه مقيم بطريقة غير شرعية؛ لكنهم كانوا يتغاضون عنه، غير أن من يسمون بالجوازات هم من يعاملون المغتربين بغلظة، حيث أنه بعد إلقاء القبض عليه وضع مع بعض رفاقه في زنزانة ضيقة لا تتسع لهم جميعا، وأن أرضية تلك الزنزانة قد غمرت بالماء بطريقة مقصودة، وأنه قد سُلب تلفونه ومبلغا ماليا كان بحوزته.
وتزداد معاناة المغتربين اليمنيين في المملكة مع نهاية المهلة المحددة للمخالفين لنظام الإقامة الجديد في أواخر شعبان الحالي، وتحول السفارة إلى جهة جابية للمال دون وجه حق، وأن الكثير منهم تعرضوا للابتزاز خاصة أولئك الذين لديهم مشاكل في الوثائق ولم يصححوها منذ مدة.
ويناشد المغتربون اليمنيون، في المملكة العربية السعودية أو الذين غادروها، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وفخامة الرئيس عبدربه منصور هادي، التوجيه برفع تلك المعاناة، وتذليل الصعاب التي يعاني منها المغتربون، وإعادة الحقوق المفقودة، وتلقي طلبات المظالم، وسرعة حلها بإنصاف وعدل، وفي أقرب وقت.