h2 style=\"text-align: justify;\"لا تزالُ قدرةُ الحراكِ الجنوبي على حشدِ الشارعِ وتحريكِه هي الأبرز في الساحةِ الجنوبيّة، وهو أمرٌ لا أتفق مع من يشكّك فيه أو ينكره، دون أن ندخلَ في جدالاتِ الأرقامِ والحشودِ والمقاصد والوسائل والنتائج وماذا بعد وغيرها من التفاصيلِ التي أعتقد أنها لن تُنقِصَ من قَدرِ تلك الحقيقةِ وذلك الواقع، كما أن زخم وحيويّة الشارع الجنوبي قد استعادَ شيئاً من عافيتِه بعد أن اعتقد الكثير أنّه قد تراجعَ كثيراً في الآونةِ الأخيرة، كلّ ذلك أثبته وأكّدَ عليهِ حشدُ السابع والعشرين من أبريل السلميّ في المكلا. لقد أكّدَ ذلك الحشدُ السلميُّ أمراً لا أستطيع أن أتجاهله ولا ينبغي لغيري، ذلك أنّ الصوتَ الرافض للوحدةِ اليمنيّة المُنادي باستعادةِ دولةِ الجنوب والتحريرِ والاستقلال لا يزال موجوداً وحاضراً بقوّةٍ على أرضِ الجنوب – إتفقنا أو اختلفنا معه أعجبنا أم لم يعجبنا – كما هو الحال في وجودِ الأصواتِ الرافضةِ لمخرجات الحوار اليمني وما يتعلّق (بأقْلَمةِ) البلادِ وما يترتّب على ذلك من قضايا أخرى، دون أن ينتقصَ ذلك من قدرِ ووجود أصواتٍ أخرى ذات تأثيرٍ في السّاحةِ وهي مغايرة لذاكَ التوجّه الجنوبي. غير أنني هنا أقفُ أمامَ ذات المشهد الذي يتكرر في تعاطي الحراك الجنوبي مع (قضيتِه!)، لا سيّما القيادات العليا فيه – وأفرّق بينها وبين جماهير الحراك في السّاحات – القيادات التي باتت عَصيّةً على التغييرِ أو التجديدِ والتّحديث، وذاك طبيعيٌ بالنظرِ إلى الحقبةِ الزمنيّة والظروف التي صُنعت فيها تلك القيادات قبل عشراتٍ من السنين وعقودٍ من الزمن فما عاد لها من قطعِ غيارٍ أو برامج تحديثٍ تجعلها قادرة على التعايش مع واقعها الحالي المعاصر المتغيّر بصورة مختلفة عن زمن صناعتِها وإنتاجِها، فالزمنُ قد توقّف عن إنتاج وتصنيعِ مثل تلك العيّنات من القادةِ والزعماء !!! لا يزال تعاطي بعض تلك القيادات مع المشهد تعاطي ذلك المستثمر – المقامر – الذي يُجيد الإمساكَ بخيوطِ التأثيرِ من مالٍ وإعلامٍ ومصالحَ في لُعبةٍ هي أبعد ما تكون عن المصلحةِ الحقيقيّةِ للمواطنِ المُتعبِ المُنهك الذي يخرجُ هنا وهناك ويصرخُ هنا وهناك ويعطّل رزقَه وأعمالَه وتعليمَ أبناءِهِ و(يزحفُ) هنا وهناك بل ولربما أهدرَ دمَه وروحَهُ هنا وهناك !!، كلّ ذلكَ ليكونَ هو وأحلامُه وآلامُه وآمالُه ودمُه المسفوح مجرّدَ نقطةٍ ملوّنةٍ في فُسيفِساء الزعيمِ والقائدِ الرمزِ يتباهى بها ويستعرض ويضيفها إلى رصيدِ نضالاتِه وبطولاتِه الذي لا ينضب، الرصيد الذي كلّما استُهلكَ وشارفَ على النّفادِ أُعيدَ شحنُهُ بمزيدٍ من (المليونيّات!) والصراخ والعويل والعصيانِ والزحفِ وإن دعتِ الحاجة بمزيدٍ من الشهداءِ والدّماءِ والأرواح !! إنّ المواطنَ المٌنهكَ أصبحَ بحاجةٍ إلى أن ينهضَ واقفاً لا أن (يزحفَ)، بحاجةٍ إلى برامجَ ومشاريعَ تنهضُ بهِ وبواقعِهِ ومعيشتِه تتجاوز مشاريع ودعواتِ (الزحفِ) من بقعةٍ إلى أخرى تصلُ إليها الجماهير الزاحفةِ لتستمعَ إلى كلماتِ الزّعيمِ عبر الأثيرِ من فوقِ فرشهِ الوثير، ثم تنصرف قافلةً من حيث أتت وفي انتظارِ دعوةٍ أخرى (للزحفِ) إلى بقعةٍ اخرى لتستمعَ إلى كلمةٍ أخرى لذات الزعيم، بينما هي قِلّةٌ تلك القيادات الصادقة التي تُصرّ على الاختلاط بجماهيرها والالتحامِ بها والتواجد معها في ذات الساحةِ والميدان وهذه تستحقّ لذلك التقدير والاحترام. إن مشاريعَ البناءِ والنهوض لن تقومَ على دعواتِ الحشدِ والزّحف في الساحاتِ أو مظاهرِ العصيان وتعطيلِ المصالح وبثّ روح الكراهيةِ للآخرِ وتدوير الاسطوانةِ المشروخةِ (لا يعنينا!) تجاه كلّ مستجدٍّ على السّاحةِ اليمنيّة التي لا نزالُ جزءاً منها متأثراً بها، وإنّما بالتعاطي الإيجابي مع الأحداثِ ودراستها والتعاملِ معها بروحِ العقلِ الواعي لا العاطفةِ العمياء، إنها بالمبادرةِ بالانتقال إلى بناءِ الإنسان قلباً وروحاً وعقلاً وفِكراً وقِيماً وجسداً عبر برامج الاستثمار البشري والتنميةِ البشريّة، الانسان الذي سيحملُ رايةَ التغييرِ ومشاعلَ النهضةِ اليوم وغداً لن يُصنعَ إلّا بالعلمِ والتعليمِ، لن يكونَ إلاّ بالقيمِ والأخلاقِ وغرسِها وبذرها فيه من الصغرِ كما هي قيم المحبّة والتسامحِ والتعايشِ والسلام، لن يكونَ إلاّ بجيلٍ يُقدّس العملَ والإنتاجَ والتنميةَ، وقبل ذلك يخاف اللهَ ويتّقِهِ ويتملّكهُ حُبُّ هذا الوطن. وكلّ ذلك ينطبقُ ايضاً حتى على دعاةِ (التحريرِ والاستقلال) – وإن لم أتفق معهم – في مسيرتهم التحرريّة، فمعركةِ بناء الإنسان قِيماً وعِلماً وأخلاقاً وإنتاجاً هي المعركةُ الحقيقيّة وهي صمّام الأمان لوطن (ما بعد التحرير) الذي ينشدونَه، فعلى سواعد المتعلمين أصحاب القيمِ والهمم العالية تتحقق الآمال، ولم تكن أقسى الظروف بما فيها (الاحتلال) يوماً عائقاً أو ذريعةً لتأجيل هذه المعركة الحقيقيّة في أيّ مكانٍ في العالم، والتاريخ والواقع يُصدّق ذلك. إنّنا نطمحُ ونسعى والوطن بحاجةٍ ماسّة لبناءِ وصناعةِ أجيالٍ (ناهضة) لا أجيالٍ (زاحِفة) !! ..