إسمه علال لكن أهل القرية يطلقون عليه لقب عليوات . كانت تهاجمه صور حلمه التي تقض مضجعه. لا يستطيع تذكر ألمه الذي يخنق أنفاسه عليوات يتلذد أحلامه الوردية عندما يرى نفسه في جبة إمام يقود خشوع المصلين أو يتحدث في أمور لا يفهمها بلهاء هزمهم اليأس و الجهل . يكره الدنيا و ما يأتي من وراءها . كان معروفا لذى أهل الحارة بكحبته التي يخرجها من فمه كالرصاصة عند عبوره الدروب ليلا . . لم تكن تلك الليلة سوى أمارة على بداية مرضه. إستفاق من سباته عشرات المرات . كان خائفا ، يبكي و قد أثقلت الدموع لحيته. لم يكن يصدق ما يراه . كانت الصورة لنبي يأتيه حاملا رسالة و قلماً ، يناديه بإسم المهدي و ينطق بوصيته: اخبر جارك سعيد ، أن الوعد بالجنة سيكو ن من نصيبه بعد رحلته الأولى. عليوات أصابه اكتئاب و هو يحكي لزوجته مريم عما جرى له .قرر أن يكتم حلمه و لا يخبر جاره سعيد بالوعد النبوي . في ليلة موالية يأتي النبي ، ومرة اخرى يطلب منه تبليغ الوصية . أصبح حلمه حقيقة يومية يراها كلما رفض الإنصياع لأوامر النبي التي أثقلت كاهله و أدخلت الغمة لقلبه . سعيد شاب هادىء ، معروف بصمته القاتل، عاشق لإنتشاءه رفقة ثلة من بائعي الحب و الهوى . يقارع ماءه العذب و لا يضحك إلا عندما يستمع لأغاني الثورة و نشيد الحب المفقود . قهقهاته تثير الكثير من الحالمين بحانة طنجة الموجودة خلف منزله الآيل للسقوط. لم يكن سعيد يعرف أن الجنة نصيبه في الدار الأخرى. لا يبالي إلا بيومه وكأنه يصارع الزمن و لا يريد أن يضيع ثانية منه . مرت السنوات و عليوات تسكنه رائحة الهلع ووساوس تمزق أحشاءه بعد رفضه تطبيق صوت الحق. لم يقدر على مواجهة معتقداته البالية كي يرى كيف سعيد سيدخل الجنة . لم تكن لديه جرأة التصدي لعنتريته و ظلام عقله كي يصدق أن سعيد السكير ، عاشق الهوى الليلي سيخترق فضاءات الفردوس بدل المئات و ربما الملايين من بني البشر الذين هم عن الحقائق ساهون . طغى حسد عليوات على نفسه و غطى الظلام قلبه المكتو بنار حلمه المزعج ، يقاوم لعنة الكتمان ، إلا ان مقاومته بدأت تتلاشى يوما بعد يوم . فقرر التخلص من كابوس الحلم النبوي . في ذلك الصباح ، تردد أكثر من مرة ثم خرج ليقف أمام بوابة منزل سعيد .ناداه بإسمه إلا ان صدى الظلام و الفراغ كانت رائحته تنبعث من الداخل . قرر عليوات تجاوز عتبة الدار المهجورة ليجد جاره مرتميا على سريره الأعرج . خاطبه عليوات بصوت خشن يدعو إلى القلق : السلام عليكم . لم تكن لسعيد فرصة التمحص في سحنات ضيفه . نهض بسرعة البرق . صمت دقائق معدودة و نطق متسائلا : ما الداعي لزيارتي في هذا الصباح؟ رد عليوات بكبريائه المعهود : جئت لأخبرك بوصية ستدخلك الجنة بالرغم من أنني أعرف أنك ....نطق سعيد و عيناه جاحظتان : -أمر غريب ، لكن ما فحوى الوصية ؟ -وصية نبوية تعدك بالجنة. -هل أنت مهبول أم طار عقلك ؟ -أؤكد لك أنه حلم حقيقي تكرر منذ سنوات . قررت أن أكتمه لكني لم أستطع مواصلة لعبة الحقيقة . ضاق صدري و أصبت بعلة غير مفهومة .أود أن تخلصني من ألم عصف بتوازني منذ عهد بعيد. -كيف ذلك ؟ -قل لي ما هي أعمالك الخيرة التي تفرش بها آخرتك ؟ ضحك سعيد حتى ظهرت قواطعه و أجاب : أفعالي كثيرة ، أعشق الليل و هوى النجوم ، حب النساء الذي لا تجده في السوق ، أقارع معشوقاتي ، أنام النهار و أسهر الليل . إنني كائن ليلي بإمتياز . -أنت لا تريد أن تخلصني من ورطتي. ربما لم تفهم سؤالي . أكرر دعوتي إليك : ما هو الفعل الخير الذي تقوم به من أجل الإنسان ؟ نظر سعيد إلى الأعلى و قد تدفقت من ثنايا عينيه الغارقتين لغة صادقة، فقال في خشوع قل نظيره : في كل نهاية شهر أقتسم راتبي مع طامو، الأرملة العجوز التي تسكن في الحارة المجاورة . بدأ عليوات يذرف دموعه كحبات عنب حامضة . إنبطح على الأرض و كأن ألما يعتصره في بطنه سكت هنيهة و نطق بصوت فاقد لحيويته المعهودة: و أخيرا إكتشفت كيف أن السكارى يدخلون الجنة . محمد نبيل – كاتب مقيم بكندا [email protected]