يبدو ان شيئا لم يتغير على الارض في صنعاء منذ توقيع اتفاق انتقال السلطة سلميا في البلاد اذ تبقى العاصمة اليمنية مثل فسيفساء امنية متداخلة مقسمة بين القوات الموالية للرئيس علي عبد الله صالح والقوات المنشقة والمسلحين القبليين. وفي حي الحصبة الذي شهد اقسى المعارك بين القوات الحكومية والمسلحين القبليين الموالين لآل الاحمر، كل شيء يدل على ان المنطقة اجتاحها اعصار. حجارة الطوب الحمراء التي تشتهر بها صنعاء متناثرة في الشوارع التي تملاها هياكل السيارات المتفحمة، وقناصة ما زالوا يختبئون خلف شبابيك العمارات المدمرة. لا شيء يخرج هؤلاء الرجال من مخابئهم الا ساعة القات، فيتجمعون في سوق خاصة بهم بين المباني المدمرة لشراء النبتة المنبهة التي يمضغونها لساعات. وقال رجل يحمل رشاش كلاشنيكوف وكيسا من البرتقال في اليد الاخرى لمراسلي فرانس برس، "لا يمكنكم المرور من هنا، الطريق مقطوعة والقناصة في كل مكان". وكان الرجل الذي يعلق ايضا خلف حزامه الجلدي العريض الخنجر اليمني التقليدي، يقف امام تلة ترابية يبدو انها وضعت حديثا لمنع السيارات من المرور. مقاتلون مدنيون في كل شوارع حي الحصبة لا شي يدل في ملابسهم على انتمائهم للشيخ صادق الاحمر او الى المؤيدين للرئيس. وينص اتفاق انتقال السلطة في اليمن على تشكيل لجنة امنية لرفع المظاهر المسلحة، الا ان اي بوادر لم تظهر بعد حول تشكيل هذه اللجنة. وفي شارع خلفي من الحصبة يضم ثكنة للحرس الجمهوري، يحدق عشرات المسلحين المدنيين باية سيارة تحاول العبور الى الجهة الاخرى من الحي، فلا احد تقريبا يمر من هنا. وبعد عشرات الامتار، يشير عسكريون ملثمون بلباس ازرق مرقط دلالة على قطع الطريق. وعند العودة الى الخلف، يقول زعيم المسلحين المدنيين الموالين للقوات الامنية بلباقة "نحن من ابناء هذا الحي، وكل ما نريده هو حماية انفسنا". واضاف "منذ يومين اطلق مسلحو ال الاحمر النار علينا عند مرورهم من هنا لذا قررنا ان نغلق الطريق مع القوى الامنية". ويقول صاحب فرن صغير للخبر ما زال يفتح ابوابه لسكان الحي، "علينا ان ننتبه دائما. لم يتغير شي. القناصة في كل مكان، المسلحون على الطرقات والكهرباء مقطوعة. الليل موحش جدا ومخيف في الحصبة". وكان هذا الحي شهد عدة جولات دامية من القتال بين المسلحين الموالين للشيخ صادق الاحمر زعيم قبائل حاشد والقوات الموالية للرئيس اليمني والمسلحين الموالين الذي غالبا ما يوصفون ب"البلاطجة" من قبل المعسكر الآخر. وما زالت القوى القبلية المعارضة والموالية اضافة الى قوات الامن الموالية لصالح تتقاسم النفوذ على حي الحصبة الذي يعد معقل ال الاحمر. دمار في كل مكان. هنا هيكل متفحم لبرج حديث كان في السابق مقرا للخطوط الجوية اليمنية ولطيران السعيدة، وهناك منازل مبنية على الطراز التقليدي سويت اجزاء منها بالارض. مبنى الحزب الحاكم في الشارع الرئيسي لحي الحصبة مهشم بالكامل. وخلف هذه المباني، يشير رجل كهل الى متاريس قال انها جديدة بنيت بواسطة اكياس الرمل في الايام الاخيرة، اي بعد التوقيع على المبادرة الخليجية لنقل السلطة في اليمن. كما تنتشر الخنادق والانفاق في كل مكان تقريبا. خنادق محفورة في وسط الشوارع الرئيسية وانفاق تستخدم لتنقل المقاتلين من جهة الى اخرى. وفي حي الصوفان المجاور، كل المنازل الفخمة مدمرة تقريبا لاسيما منازل الشخصيات القبلية المعارضة والموالية على حد سواء. كما ان الطابق الاخير من مبنى مجلس الشورى محترق ومدمر. وكان الامين العام المساعد للحزب الحاكم في اليمن سلطان البركاني قال لفرانس برس الثلاثاء ان "الوضع في صنعاء قد ينفجر في اي لحظة". وعلى بعد مئات الامتار فقط من حي الحصبة، تبدأ منطقة ساحة التغيير التي تحميها قوات الفرقة الاولى مدرع التي يقودها اللواء علي محسن الاحمر. وتقوم قوات الفرقة بفرض سيطرتها بالكامل على هذه المنطقة التي تضم معسكرا ضخما تابعا للفرقة يتحصن فيه اللواء الاحمر. وفي محيط ساحة التغيير التي يعتصم فيها الشباب المحتجون السلميون وغير المسلحين منذ شباط/فبراير، ناقلات بيك اب محملة بالمدنيين المسلحين تجوب الشوارع وتتأرجح بسرعة صعودا ونزولا على المطبات الرملية والحجارة التي تستخدم لقطع الطرقات. وهؤلاء المسلحون هم مرافقو شيوخ قبائل مؤيدة "للثورة الشبابية السلمية"، ويبدو ان تواجدهم لا يزعج كثيرا الشباب الذين يؤكدون ان "الثورة مستمرة". الا ان ناصر الشليلي وهو من كوادر الحزب الحاكم الذي استقال وانضم الى الشباب في بداية الحركة الاحتجاجية، قال لوكالة فرانس برس ان "هذه مظاهر مستفزة". واضاف الشليلي الذي لا يخفي غضبه على المعارضة السياسية التي وقعت على الاتفاق مع صالح "نحن بحاجة الى ثورة اخرى على القبلية... لقد استغلت المعارضة التي تسيطر عليها القبيلة ثورة الشباب ويريدون قطف الثمار". لكن الخروج من الحصبة وساحة التغيير الى مناطق تسيطر عليها القوات الموالية لصالح يبدو مثل الخروج الى مدينة اخرى. الحياة شبه طبيعية في وسط صنعاء وفي حي حدة الذي تنتشر فيه صور عملاقة للرئيس اليمني الى جانب المدرعات التابعة لقوات الامن المركزي التي قودها ابن اخي الرئيس بينما تطلق سيارات العنان لاغان مؤيدة لصالح. وحول سبب عدم انتقال الثورة الى هذه الاحياء، قال احمد علي المؤيد للشباب والمقيم في منطقة تسيطر عليها قوات الرئيس "كل مرة حاول الثوار التمدد الى هذه المناطق، كانوا يقتلون".