من الملاحظ أن العديد من الأشخاص المتعلمين والطبعيين والوديعين يقبلون قتل أنفسهم وقتل الأبرياء من غيرهم هم في مقتبل العمر وميسوري الحال وبدون هدف واضح. أنه لا يمكن فهم تصرفهم على هذا النحو إلا من خلال انطلاء بعض الشبهات عليهم والتي تستخدمها بعض الحركات العنفية باسم الإسلام لاصطيادهم بها، وفي نظري فإن محاربة العنف الأهوج يتطلب دحض هذه الشبهات عل ذلك ينقذ بعض من غرر بهم من هؤلاء من براثن الفساد الذي يمارسونه دون أن يعوا عدم وجود تأصيل شرعي قوي لها. إننا ندعو الله أن يفتح قلوبهم إلى الحق، ولذلك فإن عليهم أن يفكروا بعمق بالأدلة التي تستند عليها هذه الشبهات فإن كانت قوية رموا بكلامنا هذا عرض الحائط وإن كانت واهية فإن عليهم أن يراجعوا أنفسهم وأن يبحثوا عن الحق وأن يدوروا معه حيث دار. الشبهة الأولى شبهة وجوب الجهاد لإدخال الناس والأمم في الإسلام، إن بعض الحركات الجهادية تبرر العنف الذي تمارسه على أساس أنه جهاد لإعلاء كلمة الله، في حين أن ما تقوم به هذه الحركات من عنف مختلف جداً، أنها البادئة في ممارسة العنف. فلا يوجد في عصرنا من يشن الحرب على المسلمين لأنهم مسلمون بهدف إجبارهم على ترك اسلامهم، والأكثر أهمية أنه بإمكان هذه الحركات أن تدعو إلى أفكارها السليمة، ولذلك فإنه لا يوجد أي مبرر شرعي لها للجوء إلى العنف سواء ضد المسلمين أو غير المسلمين. فإذا كانت هذه الحركات ملتزمة بالشرع فإن عليه التخلي عن العنف بكل أشكاله وأنواعه، يقول الله تعالى في سورة النحل «أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين». ذلك أن جميع الرسل قد التزموا بدعوة الناس إلى الدين الحق سلما على الرغم من أن أعداءهم هم الذين يلجأون إلى العنف لمنعهم من الدعوة سلما إلى الدين الحق ولإجبارهم واتباعهم على ترك دينهم.. ولا شك أن الرسل صلوات الله عليهم قد سلكوا هذا المسلك تنفيذا لأمر الله.. إذاً لو كان العنف مسموحاً به لمارسوه حتى دفاعاً عن النفس.. ولأن الله لم يبلغهم بذلك مع أنهم كانوا يتلقون الوحي من الله لدليل على أن الدعوة إلى الله أساسها الإقناع وليس الإجبار، يقول الله تعالى في سورة آل عمران:«إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم». الشبهة الثانية شبهة الجهاد من أجل توحيد الأمة، أن الوحدة لا يمكن أن تتم عن طريق العنف، فمن يمارس العنف هو في الحقيقة يسعى إلى فرض رؤيته على الأمة، إن العنف نوع من التعصب الذي يعني اللجوء إلى القوة لإقصاء المخالفين.. ولذلك فإن ممارسة بعض هذه الحركات للعنف يعد عائقاً للوحدة لا سعياً لها. إن توحيد الأمة سيتحقق عندما يتم التوقف عن التعصب لإجتهاد على حساب الاجتهادات الأخرى وعندما يتم السماح بتعدد الاجتهادات، فقد توحدت الأمة على الرغم من تعدد اجتهادات الصحابة واستمرت الأمة موحدة على الرغم من تعدد اجتهادات الأئمة والعلماء، لم تتجزأ الأمة إلا عندما حاول البعض فرض اجتهادهم وإلغاء بقية الاجتهادات، يقول الله تعالى في سورة هود: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» (118) وفي سورة يونس: «ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» (99) «وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون». (100) الشبهة الثالثة شبهة وجوب الجهاد لإجتثاث الكفر والفساد من الأرض، إن محاربة الكفر وتجفيف منابع الفساد لا يتم من خلال القتل، لأن المنكر لا يغير بمنكر أكبر منه ، ولا يوجد منكر أكبر من قتل النفس بغير حق، وإذا كان الشرك والكفر لا يوجب القتل فأي معصية أخرى من ذلك تبرره، يقول الله تعالى في سورة المائدة:«يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون». (105) الشبهة الرابعة شبهة استحلال دم الإنسان غير المسلم وماله مطلقاً. إن هذه الحركات العنيفة دائماً ما تستند على أن الكافر غير معصوم النفس والمال عند حث اتباعها على قتل المخالفين لها أو عند تبرير الإسراف في القتل، فمن وجهة نظر بعض هذه الحركات العنيفة فإن الكافر إذا لم يكن معاهداً أو ذمياً فهو غير معصوم الدم والمال، ويدخل في ذلك كل من يطلق عليه كافراً حتى ولو لم يكن محارباً، فإذا كان هناك من غير المسلمين الذين يعيشون بعيداً عنهم وبالتالي فإنهم ليسوا ذميين ولا محاربين فإنه غير معصوم النفس والمال وحتى المسلمين فإنه يكفي إطلاق صفة الكفر عليهم لتستباح دمائهم و أموالهم، يقول الله تعالى في سورة المائدة «من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون». (32) الشبهة الخامسة شبهة إهدار حقوق من يعتقدون أنه قد ارتكب بعض المعاصي، فالعديد من الحركات العنيفة لا تراعي أي حقوق شرعية لك من تتهمه بموالاة غير المسلمين أو عدم انضمامه إليها أو عدم تقديمه الدعم لها أو في حال نقده لها، فالشرع الحنيف قد حمى حقوق من ارتكب أي معصية، إذ أنه حدد بعض العقوبات الدنيوية على بعض الحدود وترك عقاب البعض الآخر إلى الآخرة. إن بعض هذه الحركات تهدر حقوق الله تعالى في سورة هود:«فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير». (112) الشبهة السادسة شبهة تكليف بعض الحركات العنيفة لنفسها بعض واجبات الأمة اعطائها لنفسها صلاحية الأمة، فعلى سبيل المثال فإن تطبيق الشريعة هو واجب على الأمة بكاملها وبالتالي فإن حرصها هو من صلاحيتها، فليس من حق أي حركة مهما كانت إجبار الآخرين على ذلك، إن ذلك فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل من مكة والمدينة ، يقول الله تعالى في سورة الأنعام:«ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون». (152)