تحل بنا هذه الأيامُ ذكرى مولد الرسول الهادي والنبي المختار صلى الله عليه وسلم تلك الذكرى المباركة التي تُذكِّرنا بميلاد هذا الإنسان العظيم الذي غيَّرَ مجرى التاريخ وحقق العدلَ والرحمةَ وأزال الجهل ونشر العلمَ ورسَّخ الإيمانَ في نفوس الناس وقضى على العصبيات والقوميات.. رسولنا الكريم جاء يحمل رسالة ربه هادياً للبشر وهو خيرهم مبشراً بالجنة لعباد الله الصالحين وبُشر بالجنة منذ بدء الخليقة وأشهد أن لا إله إلاً الله وأن محمداً رسول الله. وإننا إذا عرفنا شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وحُسْنَه وإحسانَه وصفاتِه وشمائلَه امتلأ القلب بمحبته وتعظيمه وهاج الشوق إليه وازداد التعلق به وزال الضُّعف الإيماني والجفاف الروحي وذهبت الجفوةُ والقسوة القلبية وتهذبت الأخلاق وتطهرت الأرواح وامتلأتِ النفوس بالتعظيم وانشرح الصدر وانجلَتِ الهموم عند تجلي تلك المحاسن أمَّا من لم يعرف شيئا عن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فلن يحبه ولن يتجلى الشوق إليه فالذي يطالع سيرته ومبَادئ أمره وكيفيةَ نزول الوحي عليه ويعرفَ صفاتِه وأخلاقَه في حركاته وسكونه ويقظته ومنامه وعبادته ومعاشرته لأهله وأصحابه حتى يصير كأنه معه من بعض أصحابه أَحَبَّه الله تعالى واصطفاه على كل خلقه وشرَّفه بخاتمة رسالاته ووصَفَه بمكارم الأخلاق وحلاَّه بمزايا الصفات أحبَّ صلى الله عليه وسلم الناسَ عامة وأحَبَّ لهم الخير وسعى لهم فيه وأوذي في سبيل ذلك وكان يهتم ويغتم على عدم استجابة بعضهم لدعوته . فذكرى المولد مناسبة للتعريف بالرسول ورسالته فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة للعالمين فواجب على الأمة أن تَنْعَمَ بهذه الرحمة وتفرَحَ بها فعندما تُطِل ذكرى مولد المصطفي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلَّ عام ينبغي أن يكون هناك فرَحاً في النفوس فتتحرك المشاعر ويَهيج الحب الذي قد يكون راقداً جامدا فيصبحَ حيا متجددا و رسول الله هو السراج المنير فعلينا حبه والوفاء له والتخلق بأخلاقه والتعريف برسالته العامة الخالدة التي جعلها الله رحمة للعالمين وعَرْضِها على الناس بأسلوب مبَشِّر رحيم رقيق رفيق وتبليغِهم بما تركه لنا والتفكيرِ في السبل لنشر دعوته ورسالته بين العالمين كي تستردَ أمة الرسول العزةَ وتنالَ الرفعة والمكانة اللائقة بها بين الأمم وتصلَ إلى المقدمة وتصبحَ مَحَطَّ تقدير واحترام . وقد كانت مكة على موعد عظيم ولادة اشرف الخلق سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وكان لولادته تأثير عظيم في مسيرة البشرية وحياة البشر وسيظل يشرق بنوره على الكون في مثل هذه الأيام من كل عام تحتفل الأمة الإسلامية بمولد سيد الخلق سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الذي ولد في الثاني عشر من ربيع أول في عام الفيل من أب وأم عربيان من قبيلتي قريش وزهرة افخر قبائل قريش وأعرقها نسبا فأبوه عبد الله من أبناء عبد المطلب من أشهر أسياد قريش وزعمائها وكان لعبد الله مكانة عظيمة في قلبه وأمه السيدة أمنة بنت وهب .. وقدر لنبي الأمة أن يولد يتيم الأب ثم يفقد أمه أيضاً وهو في السادسة عاش محمدا صلى الله عليه وسلم حياة خالية من الرفاهية والراحة حيث عمل صلي الله عليه وسلم وهو في سن صغيرة برعي الغنم مما علمه الحلم والرقة والصبر ثم عمل مع عمه في التجارة وعرف بين التجار بالصادق الأمين حتى اختارته السيدة خديجة بنت خويلد ليدير تجارتها وأعجبت بصفاته وطلبته للزواج فقبل صلي الله عليه وسلم فكانت أم المؤمنين من خير النساء حيث قدمت لهذا الدين الكثير من التضحيات حتى تعلو كلمة الله ووقفت بجانب الحبيب ولم تتركه أبدا وأنجبت له البنين والبنات.