وسط دخان الحرب وركام المطارات وضجيج السياسة، بقيت الخطوط الجوية اليمنية تحلّق كعلم لا يسقط، وسفيرة لليمن في زمن القيود والانقطاع. لقد طال الغياب، وتاهت الطائرات بين الحظر والتدمير، واختلطت معاناة المسافرين؛ مرضى وطلاب ومغتربون وأطفال، ظلوا ينتظرون الرحلة التي لم تأتي، والنافذة التي لم تُفتح. لم يكونوا مجرّد ركّاب، بل أرواح تبحث عن وطن، وقلوب تُراهن على تذكرة نجاة. علقوا بلا ذنب، سوى أن نافذتهم الوحيدة إلى الوطن أُغلقت. وفي قلب هذا المشهد المثقل بالتحديات، تظل "اليمنية" أكثر من مجرد وسيلة نقل؛ إنها قصة انتماء لا تنقطع، وذاكرة وطن لا تغيب. "اليمنية" ليست مجرد شركة طيران... إنها ذاكرة وطن تُحلّق في السماء هي حكاية وطن، وذاكرة أجيال، ونافذتنا التي بقيت مفتوحة حين أُغلقت النوافذ الأخرى. كانت ولا تزال الأمل للعالقين، والباب للعودة، والراية التي صمدت رغم العواصف. هي كيان وطني ملك لكل أبناء الوطن، تخدم الجميع دون تمييز، وتربط الإنسان بوطنه. فالحفاظ عليها ليس ترفًا، بل ضرورة وواجب وطني وإنساني، لأنه يمس حياة الناس واحتياجاتهم اليومية. ورغم ما مرت به "اليمنية" من ظروف صعبة وتحديات انعكست أحيانًا على مستوى الخدمات وأثقلت كاهل بعض المسافرين ووكالات السفر، ظل اليمنيون أوفياء لها، لأنها لم تكن مجرد وسيلة سفر، بل رمز للوطن، وجسر للأمل، وشريان حياة لا غنى عنه. لنُعلِي صوت العقل حان الوقت لنُعلِي صوت العقل فوق ضجيج المصالح، وأن نجعل المصلحة الوطنية العليا هي البوصلة التي تهدينا الطريق. إن استمرار تشتّت إدارة الخطوط الجوية اليمنية لا يؤدي إلا إلى تعميق المعاناة، ويطيل أمد الألم لملايين اليمنيين الذين يتطلعون إلى نافذتهم الأخيرة نحو الوطن. لقد شهدنا عبر السنوات مبادرات مخلصة، ظهرت في وقت مبكر، سعت بإخلاص للحفاظ على وحدة هذا الكيان الوطني العريق. مبادرات جسدت شعورًا جماعيًا بالمسؤولية، وحرصًا صادقًا على بقاء "اليمنية" ركيزة إنسانية ووطنية في وجه التحديات المتراكمة. ورغم أن تلك الجهود لم تكلل بالنجاح آنذاك، إلا أن الأمل لم ينطفئ، وما زال الوقت سانحًا لإعادة المحاولة. نداء الحكمة "الخطوط الجوية اليمنية"... مسؤولية وطنية لا تحتمل التأجيل اليوم، تقف "اليمنية" أمام منعطف حاسم، يتطلب من الجميع أن يضع الخلافات جانبًا، ويعيد ترتيب الأولويات بروح من المسؤولية والحكمة. إنقاذ هذا الصرح العريق يبدأ بخطوة واحدة: العودة إلى طاولة التفاهم والتنسيق لإدارة موحدة فاعلة، تضمن استمراريته وتعيد له دوره كناقل وطني لكل اليمنيين، دون تمييز أو استثناء. فاليمنية ليست مجرد شركة طيران، بل جسر حياة، وذاكرة وطن، ورمز لوحدة شعب. الخلافات مهما تعقّدت يمكن تجاوزها إذا خلصت النوايا وتقدّمت مصلحة الوطن على كل اعتبار فالوقت لا ينتظر. وما لا ننجزه اليوم بحكمة، قد يُصبح غدًا جرحًا لا يُمكن تضميده.. فلنجعل من هذه المبادرة بداية جديدة تحفظ هذا الكيان، فالحفاظ على "اليمنية" ليس خيارًا، بل واجب وطني وأخلاقي، ومسؤولية يشترك فيها كل من يحرص على المستقبل. ولكل موظف وعامل في "اليمنية" أنتم حراس هذا الشريان، وركن أصيل في حكاية وطن لا تكتمل بدونكم، أنتم الركن الوفيّ في ذاكرة السّماء. بعزيمتكم وصبركم يُعاد نسج الحلم، وتنهض الأجنحة من رماد الغياب." "أكتب هذه الكلمات لا بصفتي الرسمية كمدير عام النقل الجوي، بل بصفتي مواطنًا يمنيًا يؤمن بصدق أن الحفاظ على "اليمنية" هو حفاظ على شريان حياة وطن." وفي الأخير، قد تتعطل المحركات، وتُغلق المدارج، وتُمنع الرحلات... لكن "اليمنية" لن تسقط فهي الروح التي لا تموت، والقلب الذي ينبض ستعود ستنهض من تحت الرماد، كما عهدناها، حاملة العلم اليمني في السماء، ومعلنة للعالم أن اليمن ما زال حيًا، وأن طائرته الوطنية باقية.لأنها ببساطة: ... ليست مجرد شركة طيران، بل روح وطن