على الرغم من إعلان الرئيس دونالد ترامب إلغاء لقائه مع الرئيس بوتين في بودابست، إلاّ أن إمكانية اللقاء لا زالت قائمة ومحتملة، خصوصاً مع تأكيد بوتين أن "المحادثات اُجلت ولم تُلغ"، وبأنها بحاجة إلى تحضيراتٍ وإعدادٍ شامل لتحقيق نتائج ملموسة، في ظل تسارع الأحداث، وتصعيد واشنطن وبروكسل ضغوطهما، وفرض حزمة عقوبات غربية جديدة على الإقتصاد وقطاع الطاقة الروسيبن، وعلى وقع مخاوف بلجيكا من الإنتقام الروسي جراء السيطرة بالقوة على الأصول الروسية المجمدة لديها، وما يمكن أن يصدر عن لقاء كير ستارمر ب زيلينسكي ، في وقتٍ تُسجل فيه القوات الروسية المزيد من الإنجازات العسكرية على الجبهات الأمامية في أوكرانيا. وسط تأييد ترامب فكرة تأجيل القمة وعقدها لاحقاً، وأهمية التحضير الجيد، اتفق الجانبان على بدء العمل التحضيري بشكلٍ فوري على مستوى وزراء خارجية البلدين، وبالفعل وصل الممثل الخاص للرئيس الروسي كيريل دميترييف إلى الولاياتالمتحدة لإجراء محادثات ومناقشاتٍ رسمية مع الجانب الأمريكي، حول القمة ومجمل العلاقات الثنائية. من الواضح أن توافق الرئيسين على ضرورة التأجيل، جاء على خلفية خطة ترامب لإختبار مدى تعاون وجدية الأوروبيين لقبول نتائج القمة، وعدم ذهابهم نحو عرقلتها بقرار مسبق، وقد كان له ما أراد ، وسقطوا في فخ القمة التي لن تُعقد، وباحوا بأسرارهم وعقوباتهم الجديدة، وبإعتراضهم الصريح على أن تكون بودابست – أوربان أرضاً لملعب القمة، تحت ذرائع كراهيتهم لفيكتور أوربان الرجل القوي وصاحب التكتل الأكبر في البرلمان الأوروبي، المعروف بتأييده المزدوج للرئيسين ترامب وبوتين، ومحاولاتهم لمنعه من استغلال القمة لتحقيق التقدم في أجندات بلاده الخاصة في أوكرانيا، ومن فرصة المشاركة في صنع السلام. لا يمكن توقع نتائج القمة بشكلٍ مسبق، والتوصل إلى حلٍ فوري ومشترك للصراع في أوكرانيا، في وقتٍ يصعب فيه التنبؤ بقبول الطرفين بالحل وبتقديم التنازلات، الأمر الذي يبدو مستحيلاً مع استمرار الأوروبيين بنفخ البالون الأوكراني، ودفع زيلينسكي من خلال استمرار دعمه وتمويله وتسليحه النوعي بصواريخ التوماهوك وغيرها، بالرهان على تحقيقه الإنتصار وإقناع ترامب بذلك، وإجبار بوتين على قبول شروطهم، وسط تأكيد ممثل الرئيس الروسي كيريل دميترييف على "محاولات الأوروبيين وبريطانيا لتعطيل أي حوار مباشر بين روسياوالولاياتالمتحدة، وأي حوار مباشر بين الرئيس بوتين والرئيس ترامب". لا بد لقمة الرجلين حتى في ظل عدم التوصل إلى حلٍ فوري، أن تناقش عشرات الملفات الأخرى، واستمرار التعاون الروسي – الأمريكي في ملفات أخرى، تبدأ من القطب الشمالي وتمتد إلى الشرقين الأقصى والأوسط، وتُعرج على الكاريبي، لخطورة ما قد تحمله الأيام القادمة هناك، وسط أجواء التصعيد عالي المستوى، وإحتمالية بدء الهجوم الأمريكي الشامل على كاراكاس. إن إندفاعة الأوروبيين نحو استمرار وتطوير المواجهة بكافة أشالها مع روسيا، وخشيتهم من الهزيمة، تُظهر عدم إدراكهم وإكتراثهم بما قد تؤول إليه الصراعات الدولية الحالية، المرتبطة والمتشابكة شديدة التعقيد، الأمر الذي يستدعي جلوس ترامب وبوتين وجهاً لوجه، والعمل على تخفيض منسوب التصعيد الدولي الشامل، لتفادي ما لا يحمد عقباه. وقد تسفر تحضيرات الوزيرين روبيو ولافروف للقمة المرتقبة، التوافق على حضور المستشارين العسكريين، لبحث خفض التصعيد العسكري في أوكرانيا وفنزويلا وغزة ولبنان وسورية وغير مكان. وسط تثمين وترحيب موسكو بسعي اليابان للسلام مع روسيا، أظهر الرئيس إيمانويل ماكرون جنوناً إضافياً، بتأكيده في القمة الأوروبية على ضرورة تطبيق "الإكراه الاقتصادي والرد الحاسم" بحق الصين، وبتحميلها مسؤولية "تهديد قدرة الشركات الأوروبية للحصول على المواد الخام الحيوية"، وبأن "الصين تهدد قدرة الشركات الأوروبية على الوصول إلى المواد الخام الحيوية". لا يمكن للرئيس الروسي التعويل على جنون وتعقل الأوروبيين وصقورهم بأّن واحد، وسط اندفاعهم نحو تشديد ضغوطاتهم الإقتصادية على موسكو، مع موافقة الإتحاد الأوروبي على فرض الحزمة التاسعة عشرة من العقوبات ضدها، والتي تشمل قيوداً على أكثر من 100 ناقلة نفط ٍ روسية، وحظراً شاملاً على شراء الغاز الطبيعي المسال الروسي اعتباراً من عام 2027، وقيوداً على الدبلوماسيين الروس في دول الإتحاد الأوروبي، في الوقت الذي فرضت فيه الولاياتالمتحدة العقوبات على أكبر الشركات النفطية الروسية ( روسنفت ولوك أويل )، عقوباتٌ بمجملها ستؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، بما سينعكس يشكل حتمي على المستهلكين في الولاياتالمتحدة وأوروبا. إن تطبيق الاتحاد الأوروبي حزمة عقوباته التاسعة عشر، وبدء تبشيره بالحزمة عشرين، وبحسب الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا "لن يكون لها تأثير على الإقتصاد الروسي"، بعدما اكتسبت روسيا المناعة القوية ضد القيود الغربية، وبأنها تحتفظ بحق الرد، وسترد بشكل مناسب ومدروس بما يتوافق مع مصالحها الأساسية. ولحين تحديد موعد القمة الجديد ومكانها، لا بد لجميع الأطراف وغالبية المشاهد العسكرية والسياسية، إعتماد المرواحة في المكان، والإبقاء على أهدافها الإستراتيجية.