لا شك إن الجنوبيين قد اضاعوا البوصلة منذ اليوم الأول لاستقلالهم من بريطانيا في 30 نوفمبر 67 وذلك بتسمية جمهوريتهم الوليدة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ، أي إنهم نسبوها إلى اليمن دون إن يدركوا تبعيات تلك التسمية وإن كان ما حداهم إلى إطلاق تلك التسمية حسن نواياهم وتاثرهم بالأفكار القومية والإسلامية والاممية الوحدوية والتي لم تترسخ في أعماقهم وإن أدعوا ذلك ، نتيجة لبقاء عصبياتهم السياسية والاجتماعية والمناطقية حيه في أعماق أعماقهم تلك العصبيات التي عبرت عن نفسها بكل وضوح عند ظهور أي منعطف من المنعطفات المأساوية التي مروا بها منذ الثورة حتى 22 مايو 90 . لكن بالرغم من بقاء تلك العصبيات السياسية والاجتماعية والمناطقية في أعماق الجنوبيين حيه استطاع تأثير الأفكار القومية والاممية عليهم إن يقودهم إلى الوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية ، وذهبوا إلى صنعاء وهم يحملون عصبياتهم معهم وهناك وجدوا إن اليمنيين لديهم نفس العصبيات بل وجدوا إن اليمنيين يتفقون عليهم بالعصبية المذهبية الدينية التي لا توجد عند الجنوبيين ، وهنا ظهر الصراع واضحا في الأيام الأولى لإعلان الوحدة ، بين الهوية الجنوبية والهوية اليمنية التي كانت تخطط منذ اليوم الأول لاستقلال الجنوب لاختزال الهوية الجنوبية فيها ، هذا الصراع بين الهويتين أدى إلى حرب صيف 94 والتي إنتصر فيها اليمن على الجنوب لدعم اليمن ضد الجنوب دوليا واقليميا ونتيجة لإستغلال اليمن موروثات صراعات الماضي بين الجنوبيين في الحرب ، لكن لم تستطيع الهوية اليمنية بالرغم من ذلك الإنتصار اختزال الهوية الجنوبية فيها .
ظلت الهوية الجنوبية تقاوم اختزال الهوية اليمنية لها بعد حرب 94 ، وكانت كل يوم تحقق إنتصار حتى ظهر الحراك السلمي الجنوبي بشكل واضح في 2007 والذي كان واحد من الأسباب التي أدت إلى سقوط نظام صالح اليمني ، ثم ظهر بعد ذلك المجلس الإنتقالي الجنوبي في 2017 كأداة أكثر فاعلية تسند مقاومة الهوية الجنوبية ضد الهوية اليمنية حتى لا تختزلها الهوية اليمنية فيها ، ولا يزال الصراع بين الهويتين قائما حتى اليوم بسبب محاولات الهوية اليمنية اختزال الهوية الجنوبية فيها ومقاومة الهوية الجنوبية لها .
إن أي محلل سياسي مبتدئ يقرأ : إنه لا يمكن اختزال الهوية الجنوبية في الهوية اليمنية أي إن لا هناك أي حل يمكن إن يكون إلا باستعادة الدولة الجنوبية على حدود ما قبل يوم 22 مايو 90 ، كما إن أي محلل سياسي مبتدئ يفهم إن بقاء الجمهورية اليمنية مرتبط فقط بالحاجة الدولية والإقليمية لها ، وباستغلال تأثيرات موروثات صراعات الماضي بين الجنوبيين منذ الثورة حتى 22 مايو 90 من قبل الجانب الدولي والإقليمي واليمني ، وبسبب انغماس الكثير من الجنوبيين في مستنقعات الفساد وتكوين مصالح غير مشروعة منها لا يستطيعون التخلي عنها والتي بسببها يقفون مع بقاء الجنوب في إطار الجمهورية اليمنية .