كما لو أنه اليوم الأخير.. هكذا أردِّد كلَّ صباح حين أخرج من منزلي، لكني أقول بيني وبين نفسي: اليوم ليس يوماً مناسباً للموت. أحاول أن أتجنَّب الشوارع المزدحمة، أن أمرق من جوار النقاط الأمنية بسرعة وأنا أتفحَّص الأشخاص لمحاولة قراءة نواياهم وملاحظة إن كان هناك أشياء ناسفة يحتزمون بها.. وأتفحَّص الوجوه كأنني أريد قراءة النوايا، وأركِّز على السيارات المتوقفة على جانب الطريق وأنا أتخيَّل أي واحدة منها ستنفجر الآن!! أكاد أصل.. أنعطفُ إلى الشارع الفرعي المؤدي إلى العمل، فيوقفني شابان مراهقان مسلَّحان، ويبتسمان ابتسامة واحدة، بنفس المقاس، أحدهما قال: عفواً يا أستاذ ممنوع، حفاظاً على السلامة العامة لكي لا تسيل دماء أكثر!! يتحدث معي وكأنني انتحاري جئت لتفجير نفسي وسيارتي التي لا أمتلك سواها.. أخبرتهما أن مقر عملي في هذا الشارع، فقالا ضع السيارة هنا واقطع المسافة مشياً على الأقدام.. فما كان مني إلا أن فعلتُ ذلك حين رأيت هذين الشابين يجبران حافلة مؤسسة الثورة الحكومية على إنزال جميع الموظفين في بداية الشارع!! قلت لذلك الشاب الذي طلب مني إيقاف سيارتي حفاظاً على السلامة العامة، لكي لا تسيل دماء أكثر: فعلاً.. النصر للإسلام، وانصرفت ماشياً بجوار 20 موظفاً حكومياً!! تخرج من بيتك وتصادف في طريقك سيارات مليئة بأشخاص مسلحين، وأنت تحدِّث نفسك بدولة مدنية فتوقن أنك واهم.. وتخرج من بيتك أيضاً وأنت تردد كل المأثورات، وتقرأ الحصن الحصين كاملاً، وتستعيذ بالله من موت الفجأة، أو من رصاصة طائشة دون عقل ربما تستقر في عقلك، وتعود وأنت تتمنى أن تصل إلى بيتك بسلام فقط