في مُحاضرةٍ مُغلقةٍ أمام وسائل الإعلام، عُقدت أمس الأول في مدينة تل أبيب، تناول رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيليّة (أمان)، الجنرال هرتسي هليفي، عدداً من المواضيع والقضايا الساخنة في الدولة العبريّة وفي المنطقة، بالإضافة إلى التعبير عن موقف الاستخبارات بفوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المُتحدّة الأمريكيّة، وإسقاطات هذا الأمر على العلاقات بين واشنطن وتل أبيب بشكلّ خاصٍّ، وعلى السياسة الأمريكيّة في حقبة الرئيس الجديد. المُراسل السياسيّ في صحيفة (هآرتس)، باراك رافيد، نشر أمس الاثنين، مقتطفات من تصريحات الجنرال هليفي، لافتاً إلى أنّها سُرّبت له من شخصياتٍ ومصادر استمعت للمُحاضرة، التي نظّمها الناديّ التجاريّ-الأكاديميّ في جامعة تل أبيب، مُشدّدّةً على أنّ النقطة المركزيّة في الاستعراض الذي قدّمه الجنرال هليفي تمحور حول السلطة الفلسطينيّة. ولم يكُن تطرّقه للأوضاع في السلطة الفلسطينيّة خارجاً عن المألوف، فقد حذّر من أنّ الوضع الأمنيّ في الضفّة الغربيّة المُحتلّة سيتفاقم وسيتصاعد في العام المُقبل 2017، عازياً هذا الأمر إلى تضعضع وتراجع مكانة رئيس السلطة الفلسطينيّة، محمود عبّاس (أبو مازن)، وذلك على خلفية الصراعات التي تشهدها الساحة الفلسطينيّة لليوم الذي يلي رحيل عبّاس السياسيّ، على حدّ تعبيره. وبحسب الجنرال الإسرائيليّ فإنّ الوضع الأمنيّ في مناطق السلطة الفلسطينيّة لن يكون مُستقراً في العام القادم، مُشيراً في الوقت عينه إلى أنّ هناك العديد من الجهات التي ستحتّج على قيادة عبّاس، ومن الناحية الأخرى، أضاف، بأنّ حركة حماس تُريد استغلال الوضع وتسجيل الإنجازات، وهذا الوضع، برأيه، سيضع إسرائيل أمام تحديّاً. وبحسبه، فإنّ تراجع عدد العمليات في الأشهر الأخيرة مرّده الثمن الباهظ لها بالنسبة للفلسطينيين، بسقوط عددٍ كبيرٍ من المُنفذّين، علاوة على محاربة إسرائيل لمنفذّي العمليات وذلك من خلال الامتناع عن فرض العقوبات الجماعيّة على الفلسطينيين بالضفّة. وكان لافتاً للغاية أنّ هليفي تجاهل بالمرّة دور الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة، كما لم يتطرّق، بحسب الصحيفة العبريّة، إلى مسألة التنسيق الأمنيّ بين إسرائيل والسلطة الفلسطينيّة. أمّا فيما يتعلّق بالحرائق التي شهدتها البلاد في الأيّام الأخيرة، فقال رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة إنّ عدداً منها نجم بفعل فاعلٍ، متهماً الفلسطينيين من طرفي الخّط الأخضر بالمسؤولية عن إضرام النار. وحاول الجنرال الإسرائيليّ طمأنة الجمهور وقال إنّ إسرائيل ستجد الطريقة المُناسبة للتعامل مع الحرائق، لكنّه أشار في الوقت عينه إلى أنّه ستكون اختراعات أخرى، والقصد أنّ الشعب الفلسطينيّ سيبتكر طرقاً أخرى للمسّ بإسرائيل. وزعم أنّ الابتكارات الفلسطينيّة ستأتي على موجات وبالتالي يتحتّم على إسرائيل أنْ تكون على أهبة الاستعداد، بحسب أقواله. وبطبيعة الحال، تطرّق الجنرال هليفي إلى العلاقات الإسرائيليّة مع عددٍ من الدول العربيّة، والتي لا تُقيم مع تل أبيب علاقات دبلوماسيّة، وقال في هذا السياق إنّ الاستخبارات العسكريّة مُتفائلة من تحسّن العلاقات مع كلٍّ من المملكة العربيّة السعوديّة ودولة الإمارات العربيّة المُتحدّة. وأكّد في محاضرته على أنّه توجد بين الدولة العبريّة وبين الدول التي وصفها بالسُنيّة مصالح مشتركة، ولم يتطرّق الآليات تحسين العلاقات، ولكنّه شدّدّ على أنّ الحديث يجري عن أكبر فرصةٍ لإسرائيل في السنوات القريبة القادمة، على حدّ تعبيره. وفي الشأن الإيرانيّ، قال هليفي عن الانتخابات الرئاسيّة التيس ستجري الجمهوريّة الإسلاميّة في شهر أيّار (مايو) القادم، إنّه يتوقّع فوز الرئيس الحاليّ حسن روحاني، والذي سيستمر في تغيير سياسة بلاده. ولفت إلى أنّ الرئيس روحاني يصغي لما يُريده الشعب الإيرانيّ، وعليه، أضاف، من المُمكن أنْ نرى إيران مختلفة بعد خمسة أوْ ستة أعوامٍ. وتابع: الإيرانيون أقوياء بكليّات الهندسة، ويفوزون في أولمبيادات الرياضيات، لكنّهم لا يتركون بلادهم وينتقلون للسكن في دولٍ أخرى، وربمّا سيكون النظام بعد الانتخابات هو الذي سيجعلهم يُواصلون العيش في بلادهم. أمّا عن ترامب فقال إنّه فاز في الانتخابات الأمريكيّة لأنّه خلال المعركة مثلّ الضدّ، ضدّ المؤسسة الحاكمة، لافتاً إلى أنّ السؤال المفصليّ الآن: كيف سيصمد في امتحان الأيديولوجيّة المُعادية التي طرحها أثناء الحملة الانتخابية؟ وكيف سيعمل ضدّ المؤسسة السياسيّة الأمريكيّة من خلال كونه في سُدّة الحكم؟ وتطرّق الجنرال هليفي إلى علاقات تل أبيب وأنقرة، وقال إنّ تركيّا تسير نحو ما أسماه بالتطرّف الديني، مُوضحاً أنّ العلاقات الثنائيّة بين البلدين ستتقدّم ولكن ببطءٍ. وحذّر في الوقت عينه صنّاع القرار في تل أبيب من اللهاث وراء تركيّا لتحسين العلاقات معها، لافتاً إلى أنّه خلال السنوات المُقبلة سنشهد شطباً لإرث أتاتورك. وتناول هليفي أيضاً الوضع في سوريّة، وأكّد على أنّ تقديرات الاستخبارات العسكريّة تُشير إلى أنّ الحلّ السياسيّ للأزمة، أوْ كما أسمها الحرب الأهليّة، ما زال بعيداً. وأضاف أنّ يتواجد لدى موسكووواشنطن، وأنّ التعاون بينهما من شأنه أنْ يُفضي إلى حلٍّ، وقلل كثيراً من إمكانية حلّ الأزمة السوريّة عن طريق الأوروبيين. وبحسبه، فإنّ الروس يُريدون إلغاء العقوبات الاقتصاديّة المفروضة عليهم، وبالتالي باتوا على استعدادٍ للمفاوضات مع أمريكا والغرب للتوصّل إلى حلٍّ للأزمة بسوريّة.